الإمام علي (ع) بين النهج والصفات ـ بقلم الشيخ حسين عليان ـ للمرحلة المتوسطةصفاته :
إجتمعت في الإمام علي (ع) صفات عظيمة كالنبل والشجاعة والقوة والمروءة والذكاء والصرامة والتواضع والخلق الحسن ومحبة الفقراء ومساعدتهم ومواجهة الظالمين بلا هوادة ونصرة المظلومين وغيرها الكثير من الصفات الإنسانية والدينية والعلمية ...
ومما قاله النبي (ص) عن فضله ومكانته الرسالية: يا علي لولا أني أخشى أن تقول فيك فئة من الناس ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك مقالة ألا تمر على أحد من الناس إلا وأخذوا التراب من تحت قدميك .
سيرتـه :
هي سيرة غنية بالتضحيات والعطاءات التي يقصر مثل هذا المقام عن سردها، ولكننا سنحاول في هذا الدرس ذكر النقاط الرئيسية في حياته والتي بدأت في مطلع طفولته في بيت رسول الله (ص) تربى الإمام علي عليه السلام على الأخلاق الحسنة والسلوك المستقيم حتى بعث الله تعالى نبيه مبشراً ونذيراً فلم يتردد في الإيمان بما جاء به النبي (ص) فكان الفتى الأول الذي يساند رسول الله (ص) ويدافع عنه ويقف إلى جانبه، وأول حادثٍ مؤثرٍ يبرز عظمة التضحية عند هذا العملاق مبيته في فراش النبي (ص) من غير أن يبالي لتلك السيوف التي قد تقطع جسده إرباً إرباً … فعندما طلب منه النبي (ص) أن يبيت في فراشه لم يقل إلا كلمة واحدة : أوتسلم أنت يا رسول الله (ص) ؟ قال : بلى . قال : إذاً لا أُبالي .
بعد ذلك كانت هجرته إلى المدينة حيث سبقه رسول الله (ص) بعد أن أعلن (ص) قوله المشهور : يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وأنت أخي ووارثي .
الإمام علي (ع) في بدر :
كانت الهجرة إلى يثرب بداية عهدٍ جديدٍ حيث آخى النبي (ص) بين المهاجرين والأنصار واتخذ علياً (ع) أخاً له ، وفي هذه الحقبة من الزمن استطاع النبي (ص) أن يؤسس مجتمعاً منيعاً قادراً أن يدافع عن كيانه ويصون وجوده .
ـ في السنة الثانية هـ كانت معركة بدرٍ الكبرى حيث تنقل لنا أكثر الروايات أن علياً (ع) قتل النصف من الأعداء واشترك مع المسلمين في النصف الآخر. وروي في فضائل الخمسة عن الطبري أن علياً (ع) عندما قتل أصحاب الألوية في بدر كان كلما تكتل جماعة من مشركي قريش يقول له النبي (ص): إحمل عليهم يا علي فيحمل عليهم ويقتل منهم ، فنـزل جبرائيل على النبي (ص) وقال له: إن هذه لمواساة يا رسول الله، فقال النبي (ص) إنه مني وأنا منه ، فقال جبرائيل وأنا منكما، وسمعوا صوتاً يقول: لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار.
الإمام علي (ع) في أحد :
جاء في تاريخ إبن الأثير ورواية المقيد في إرشاد الطبري وعن الحسن بن محبوب عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: كان أصحاب اللواء يوم أُحد تسعة من أبطال قريش وبني عبد الدار قتلهم علي بن أبي طالب (ع) عن آخرهم .
وفي اللحظات الحاسمة عندما تعرض النبي (ص) للخطر لم يكن الإمام علي (ع) يفكر إلا بسلامة الرسول (ص) وحمايته فعمل على مواجهة المشركين من جهة وعلى حماية النبي (ص) من جهة ثانية .
الإمام علي (ع) في غزوة الأحزاب :
كانت غزوة الأحزاب في أواخر السنة الخامسة بعد الهجرة وفي هذه الغزوة تحد عمرو بن ود العامري النبي (ص) وراح يرسل الكلمات النابية والنبي (ص) يدعو المسلمين أيهم يخرج لمبارزته وأنا أضمن له الجنة فلم يستجب لنداء النبي (ص) إلا الإمام علي (ع) وفي آخر المطاف عندما لم يلبِ النداء أحدٌ أذن النبي (ص) للإمام علي (ع) بالخروج لمبارزته وبعد حوارٍ جرى بين الإمام علي (ع) وعمرو العامري فحواه دعوة ابن ود الى الإسلام أو الرجوع من حيث أتى وإلا فالبراز وقد انتهى الأمر الى المواجهة فحصل البراز واستطاع الإمام علي (ع) أن يقتل ذلك اللعين بضربة حاسمة فانهزم جمع المشركين وقال النبي (ص) : ضربة علي (ع) يوم الخندق تعادل عمل الثقلين إلى يوم القيامة .
الإمام علي (ع) في خيبر :
بعد أن فشل عددٌ من قادة المسلمين في فتح خيبر أعلن النبي (ص) عن تسليم الراية لرجل سيفتح الله على يديه، وفي اليوم الثاني كانت الراية لعلي (ع) الذي قتل زعيم اليهود واقتلع باب الحصن وهزم من بداخله، ومما قاله النبي (ص): لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله .
الإمام علي (ع) في فتح مكة :
كان لعلي (ع) في هذه العملية التحريرية الدور الأبرز وقد أوكل النبي (ص) لواءه للإمام (ع) وحتى لا يطول بنا المقام فإن الإمام علي (ع) كان الأمين والحارس للدعوة الإسلامية والمجاهد الأول في الدفاع عنها في كل المواقع والمواقف .
ـ في السنة العاشرة بعد الهجرة قصد النبي (ص) حج بيت الله الحرام وبعد الإنتهاء من أداء مناسك الحج أمر بجمع المسلمين في منطقة غدير خم وخطب فيهم وأعلن عن تعيين القائد من بعده الذي سيتولى متابعة المسيرة وهو علي بن أبي طالب (ع) ومما قاله النبي (ص): اللهم ومن كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم والي من والاه وعادي من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه كيفما دار.
وفي هذا الموقف أعلن المسلمون جميعاً المباركة والتهاني للإمام علي (ع) وهذا الإعلان للنبي (ص) كان مسبوقاً بحركة تمهيدية وبإعلانات مختلفة كلها تؤكد على عظمة أمير المؤمنين (ع) في علمه وجهاده وقدرته على تحمل المسؤولية، ثم إن أهم ما يمكن أن يُذكر هنا أن إختيار الإمام علي (ع) لهذا الموقع هو إختيار إلهي والنبي (ص) بلغ المسلمين ما إختاره الله لهم ، فقد جاء في الكتاب الكريم قول الله تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس .
فبلغ النبي (ص) ما أنزل إليه من ربه بالتلميح والتصريح وأمام جميع المسلمين .
بعد وفاة النبي (ص) بقي الإمام (ع) صابراً مجاهداً متحملاً كل المعاناة في سبيل بقاء الإسلام واستمرار رسالته...
وبعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان إجتمعت الناس من كل حدبٍ وصوبٍ يطالبون الإمام علي (ع) بتولي الخلافة وبعد هذه المطالبة التي إعتبرها سلام الله عليه حجة للقيام بالأمر نهض ليقيم حكم الله في الأرض.
نهجـه في الحكم :
تسلم الإمام علي (ع) الحكم في مجتمعٍ غص بالمشاكل والإنقسمات على أكثر من صعيد وكان أمامه مرحلة صعبة في الإصلاح والتغيير فبدأ بعملية الإصلاح الإداري والمالي والحقوقي على أساس العدالة والمساواة ويمكن تلخيص برنامجه الإصلاحي بالعناوين التالية :
1- عزل جميع الولاة الفاسدين واستبدالهم بالأكفاء الصالحين.
2- نظم العمل الإداري في كل مؤسسات وقطاعات الدولة .
3- تفعيل الرقابة الصارمة على وزراء وموظفي الدولة .
4- العدل والمواساة بين جميع الفقراء والمحتاجين .
5- إلغاء مبدأ التصنيف القبائلي والعشائري والديني والسياسي .
6- العمل على استعادة أموال المسلمين الذي وزع بطرق غير مشروعة .
7- العمل على ضرب الحركات الإنفصالية التي تهدد وحدة وأمن الدولة .
8- إعادة بناء الجيش وتسليحه من جديد .
9- تخصيص الرواتب والمساعدات لعوائل الشهداء .
وقد تميز نهج الإمام علي (ع) بالعدالة والمساواة بين جميع المواطنين من غير تفريقٍ بين مواطنٍ وآخر ورفض أن يبقى في دولته فقيراً أو محتاجاً حتى ولو كان من غير المسلمين. ومن أبرز الأحداث في هذا المجال ذلك النصراني الذي صادفه يتسول في أزقة الكوفة فقال لأصحابه ما هذا ؟! فقالوا له: هذا نصراني يا أمير المؤمنين . فقال لهم: إستخدمتموه حتى إذا كبر تركتموه خذوه واعطوه من بيت المال.
وفي المقابل رفض أن يعطي عقيلاً وهو أخوه حصة زائدة عن بقية الفقراء فيقول شارحاً هذا الأمر:
والله لقد رأيت عقيلاً وقد أملق حتى إستمحاني من بركم صاعاً … وعاودني مؤكداً وكرر عليَّ القول مُردداً فأصغيت إليه سمعي فظن أني أبيعه ديني واتبع قياده مفارقاً طريقي فأحميت له حديدة ثم أدنيتها منه ليعتبر بها فضج ضجيج ذي دنفٍ من ألمها وكاد أن يحترق من ميسمها فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه وتجرني إلى نارٍ سجرها جبارها لغضبه ؟! أتئن من الأذى ولا أئن من لظى ؟!
هذا وقد آثر أن يبقى إلى جانب الفقراء والمحرومين متنازلاً عن كل مباهج الدنيا ورفض كل الألقاب والعناوين فقال: أأرضى أن يقال أمير المؤمنين ولعل في الحجاز أو اليمامة من لا عهد له بالشبع ولا طمع له بالقرص . وفي كلامٍ آخر: أأقبل أن يقال أمير المؤمنين ولا أشارك الرعية في مكاره الدهر أو أن أكون لهم أسوة في جشوبة العيش .
وهذا السلوك طلبه من جميع وزراء دولته كما يظهر ذلك جلياً في عهده للأشتر وفي وصاياه لمحمد بن أبي بكر وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وغيرهم فكان النهج الذي سلكه أمير المؤمنين (ع) هو نهج العدالة والمساواة وتطبيق أحكام الله في الأرض ، ويحدثنا ضرار بن ضمرة عن صفات ونهج الإمام علي (ع) ما يلي :
كان والله بعيد المدى شديد القوى يقول فصلاً ويحكم عدلاً يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه .
كان يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل ووحشته .
كان غزير الدمعة طويل الفكرة ، يعجبه من اللباس ما خشن ومن الطعام ما جشب.
كان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه ، ويأتينا إذا دعوناه ، ويبتدينا إذا آتيناه .
ونحن والله مع قربه منا ودنوه إلينا كنا لا نكلمه لهيبته ، ولا نبتديه لعظمته .
كان يُعظم أهل الدين ، ويقرب المساكين ، لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله .
وأشهد أني قد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه قابضاً على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ويقول : يا دنيا غري غيري، إلي تعرضت أم إلي تشوقت ؟!
هيهات ، هيهات .
قد طلقتك ثلاثة لا رجعة فيها. فعمرك قصير وخطرك كبير. آه من قلة الزاد وبُعد السفر .
أكتفي بهذا القدر على أمل اللقاء في دروس ومحاضرات مقبلة إن شاء الله وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .