رسالة مفتوحة
إلى معالي وزير الصحة الدكتور حمد حسن
بقلم الشيخ حسين عليان ١٠ نيسان ٢٠٢٠
أنا من جيل ولد في غمرة جنون الحرب الأهلية التي فتكت بالبشر والحجر وفرقت بين أبناء الوطن وقسمتهم الى فئات متناحرة ومتقاتلة وسرقت أحلامهم وآمالهم وسط دماء سفكت وديار دمرت وطاقات هُجرت في الوطن ومنه إلى كل أصقاع الأرض بحثاً عن الأمن والأمان ولقمة عيش كريمة ..
وفي الحديث عن الحرب أجد نفسي عاجزاً عن وصف أحداثها وآثارها الكريهة التي ما زالت تداعيتها سارية المفعول الى يومنا هذا
ومنذ الإعلان عن إنتهاء الحرب الأهلية وقيام الدولة من تحت ركام الدمار تشكلت عشرات الحكومات التي أخضعت لمنطق المحاصصة في السياسة والمواقع وجميع مرافق كيان هذه الدولة وحتى الإنسان فيها أخضع جبراً وقهراً ليكون حصصاً موزعة بين أقطابها
ومنذ ذلك اليوم عاش الناس تحت سقف وعود الحكام الزائفة التي لم يتحقق منها أبسط ما يطمح اليه المواطن .
ولو قمنا بجولة قصيرة في أرشيف تلك العهود لجمعنا وبلا مبالغة أطناناً من الورق التي دونت عليه الوعود الكاذبة ومئات آلاف الساعات من الخطابات الرنانة على قاعدة (إسمع تفرح جرب تحزن)
وفي زمن ليس ببعيد حيث بلغ السيل الزبى صرخت الناس من شدة وجعها وألمها ومطلبها أبسط حقوق العيش الكريم .
ووسط هذا الواقع ظهرت الفضائح فكل طرف يلقي اللوم على الآخر وخزائن الدولة المديونة بعشرات مليارات الدولارات فارغة والفساد ينغل في جميع أنحائها .
إن هذه الخلاصة التي تقدم ذكرها ليست مقصدي فهو أمر بات ظاهراً كشمس النهار في كبد السماء وما أردت في الحقيقة قوله مجرد وقفة عند الدور الإستثنائي الذي يؤديه معالي وزير الصحة الدكتور حمد حسن الذي يبذل جهوداً جبارة في تحمل المسؤولية وإن كنا لا نعرفه شخصياً ولا نمتلك معلومات عن سيرته الذاتية إلا أننا ومن خلال متابعة عمله وما يحققه من إنجازات في حفظ أرواح الناس والسهر على سلامتهم فإنه يستحق وبجدارة كلمة شكر وتقدير
معالي الوزير ونحن نتابع خطواتك ونستمع الى كلماتك ونرى آثار جهدك في ظل أزمة خيمت على معظم دول العالم وقد رأينا بعض الدول التي فقدت أو كادت تفقد السيطرة على إنتشار الوباء القاتل (كورونا المستجد) رغم ما تمتلك من مقدرات وإمكانيات متطورة وأنت الى هذا اليوم تمسك بزمام الأمور بوعي وحكمة وثبات وأمام هذا الجهد وجدت من واجبي كمواطن أن أشكرك في الجميل وأثني على جهودك في هذا الدور الجبار الذي تؤديه في سبيل حفظ السلامة العامة رغم قلة الإمكانيات ومصاعب تولي المسؤولية في دولة فرى الفساد لحمها ونخر عظمها .
معالي الوزير إن رهاننا عليك بعد أن يتم الله نعمته باجتياز مخاطر الوباء المستجد (كورونا) بتحقيق أهم إنجاز ينتظره اللبنانيون منك وهو تأمين إستشفاء مجاني ودواء ميسور لجميع المواطنين وتعزيز المشافي الحكومية لتكون هي الأولى في البلد وبذلك ستثبت إخلاصك لشعبك الذي يعاني مرارة الوقوف على أبواب السياسين بغية مساعدته في الحصول على أبسط حقوقه .
معالي الوزير إن العمل من أجل حياة الإنسان جعل الله تعالى لها ميزة إستثنائية من الفضل والثواب ويقابلها تماماً الحساب والعقاب على الإستخفاف بها .
وفي هذا المقام نستحضر قول الله تعالى : مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا .
نسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعاً من العاملين في سبيل حياة الناس وخدمتهم ونسأله تعالى أن يلهم كل المسؤولين لعمل جاد في خدمة إنسانهم وهجران نزواتهم وشهواتهم الدنيوية الزائلة وأن يعودوا الى صفاء الضمير ونقاء الوجدان علنا نعتبر ونتعظ مما يجري كم نحن ضعاف وواهنون أمام عظمة الله وقوته وعلنا ندرك أن القيمة الحقيقية ليست لجاه صنعه الموقع ولا لسلطة حققها المال بغض النظر عن حله وحرامه وسقوط قوته بلحظة أسرع من لمح البصر وإنما القوة والعز والجاه الحقيقي هو الإنتصار على جشع وطمع وغرور وتكبر النفس والإتجاه نحو العمل الصالح الذي لا يمكن لفايروس ولا لسلطة في الدنيا أن تنال منه .
وفي الختام أرفع الى معاليك آسمى آيات الشكر والتقدير والدعاء بالسداد التوفيق .