الإصغاء لأهل العلم والمعرفة
بقلم : الشيخ حسين عليان
إثر كل واقعة أو حدث ينبري كمٌ كبير من الناس ليتحولوا جميعاً إلى خبراء يصفون الحلول لا بصيغة الإقتراح ولا بصيغة السؤال إنما بصيغة القطع والجزم وأن الحل ما يقولونه !
والذي ساهم في جعل هذه الظاهرة المستغربة والخطيرة تتفشى بشكل واسع الإنتشار سهولة نقلها الى العموم بواسطة شبكات التواصل التي باتت منبراً سائباً لكل من يحلو له بث العلم أو الجهل الصالح أو الطالح الخير أو الشر وهكذا ...
وقد لفتني على سبيل المثال لا الحصر ما حصل ويحصل في ظل مواكبة الأحداث الناتجة عن الوباء الأخير (كورونا) حيث تلقينا آلاف الوصفات العلاجية التي لا تخضع لمعايير العلم والمعرفة من قبل المختصين .
وبما أن الخائف بطبعه يتمسك بأي وسيلة للخلاص من مشكلته المخيفة أو النجاة من الهلاك المتوقع فيبادر إلى تلقي الأخبار بشغف ويعمل طبقها حتى ولو كانت في الواقع وهماً أو يلزم منها الضرر الذي لا يدركه إلا بعد حين وفق المثل الشعبي (الغريق يتمسك بقشة ) (الغريق يتعلق بحبال الهواء)
وفي ظل هذا الواقع يصدمنا أناس يخرجون كفوج من القوات الخاصة بعضهم بلباس الدين يكيلون للناس أطناناً من وصفات الشعوذة جاعلين تعاليم الدين عرضة للسخرية ومغرقين بني جنسهم في ظلمات الجهل ، في الوقت الذي أراد الله تعالى دينه منارة هداية للبشر وسبيل خلاص من الظلم والفساد والإنحراف ومحركاً لإرادة الإنسان نحو العلم والمعرفة والخضوع في معالجة مشاكل الحياة لسلطان العقل من خلال الوسائل التي يتوصل إليها في مسيره العلمي ..
إن دورنا كرجال دين وحملة رسالة أن نوجه الناس ونرشدهم الى الأخلاق والآداب والإستقامة وقول كلمة الحق ورفض الظلم والجور ومساعدتهم في سلوك سبيل العلم والمعرفة وليس دورنا أبدا أن نتدخل في الوصفات الطبية والصناعية وغيرها من الأمور التي تحتاج وفق سنن الله في خلقه الى الخبرة العلمية التي لها أهلها الذين بذلوا جهوداً كبيرة لمعالجة المشاكل الواقعة في حياة الناس سواء في الصحة أو غيرها .
ولمزيد من فهم هذه النقطة المركزية في حياتنا نرجع الى ينابيع الدين الصافية لنعرف أن دين الله برىء من هذه المسلكيات وذلك حتى يتحمل تبعات هذا الأمر أصحابه أنفسهم ولا نُحَمل كل تلك الأوزار للدين ، وهنا ألفت العناية الى أن البعض منهم قد يكون قوله وفعله عن حسن نية إلا أن هذا لا يعفيه من الوقوع في خطأ تجهيل الناس وتشويش عقولهم وتفويت فرص النجاح عليهم وإضاعة مصالحهم ..
فنرجع وإياك إلى مدرسة القرآن الكريم حيث نجد الحث على العلم والمعرفة والعمل ومن ثم نطلب من الله تعالى التوفيق فنلاحظ أن الله تعالى قال لسيدتنا مريم : ( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا )
طلب منها القيام بالفعل لتحصل على رزقها ولم يقل لها مجرد الدعاء ينزل عليك الرزق لا بد من القيام بالفعل والله يسدد ويوفق
2 ـ قال تعالى : (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ) فزادهم هدى بعد قيامهم بفعل الإيمان
3 ـ (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ) بعد قيامهم بالإهتداء منحهم الله الزيادة والتقوى
4 ـ (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) هداهم الله سبيل النجاح بعد بذلهم الجهد والكد والسعي والكفاح وليس بمجرد الدعاء مستقلاً عن الدور العملي المطلوب منهم
فنلاحظ في هذه الآيات المباركة وغيرها الكثير في الكتاب الكريم أن الله تعالى حث الإنسان على العمل لينال التوفيق والتسديد في حياته
ونلاحظ أيضاً في الإرشاد النبوي كلام النبي (ص) لصاحب الناقة حيث رفض منه التوكل المجرد عن العمل فقال له : (إعقلها وتوكل) وبلهجتنا المعروفة إربط الناقة وتوكل على الله وفي جوابه للسائل :
أيمنع الدواء القدر ؟ قال: (الدواء من القدر)
وفي الحادثة المشهورة عندما علم الإمام علي (ع) ميول الجدار نحو السقوط أسرع الخطى فقيل له : يا أمير المؤمنين، تَفرُّ مِن قضاء الله ؟!
قال: أفرُّ مِن قضاء الله إلى قَدَر الله عَزَّ و جَلَّ . وعندما ضربه أشقى الأشقياء بالسيف وهو في صلاته أتوا له بطبيب كشف على حاله الصحي .
ومن هنا فإن القدوة لنا هذه التعاليم المتوافقة مع العقل والعلم ولا عذر لمخالفها في اتباع الذين يُحَملون الدين أوزار أفعالهم وأقوالهم التي سببوا من خلالها الإساءة للدين كما شاهدنا ما حصل من سخرية على شبكات التواصل ..
وقد وجدت نفسي هنا مسؤولاً عن التصدي إلى جانب كل العقلاء المخلصين في وجه هذه الظاهرة وقطع الطريق على أصحابها حتى لا يأخذ الجهل فينا مأخذه .
لا أريد الإطالة في مسألة يجب أن تبلغ أعلى مراتب الوضوح متمنياً عليكم عدم الإصغاء لوهم الواهمين وعبث المتلاعبين بالدين وبعقول الناس وليكن في واقعنا الذي يجتاحنا فيه وباء خطير الإصغاء لأهل العلم والمعرفة من المتخصصين ثم نتوكل على الله بعد ذلك طلبا للتوفيق والتسديد في أداء مهامنا .
ونضرب بعرض الحائط كل ما هو دون ذلك لنحفظ أنفسا وغيرنا من التهلكة التي نهانا الله تعالى عنها .