الإمام الحسن بن علي (ع) ـ بقلم الشيخ حسين عليان ـ للمرحلة المتوسطة
تولى الإمام الحسن بن علي (ع) مسؤولية الخلافة بعد استشهاد والده في مناخٍ قلقٍ ووضعٍ غير مستقر حيث أخذت الصراعات داخل جسم الدولة شكلاً معقداً
بدأ الإمام الحسن (ع) العمل مع جماهير لا تؤمن إيماناً كاملاً برسالية المعركة وأهدافها ، ولا تتجاوب مع متطلباتها وكانت تلك الفترة قد ظهرت فيها أربعة أطراف :
1- الأمويون. 2- الخوارج . 3- الشكاكون وكانوا متأثرين بدعوة الخوارج من غير أن يكونوا منهم 4- الحمراء وهم شرطة زياد وكانوا يمارسون سياسة الإنحياز الى المنتصر .
قويت موجة الشك في رسالية المعركة التي كان يخوضها الإمام الحسن (ع) مما أدى الى ازدياد الأمور تعقيداً ، وفي ظل هذا الواقع عرض بعض أصحاب الإمام الحسن (ع) عليه عدة خيارات منها :
أولاً : استخدام الوعود السلطوية والإغراءات المالية لتجييش أكبر عدد من الناس
ثانياً : الإتجاه إلى الصلح مع معاوية من أول الأمر .
إستبعد الإمام الحسن (ع) العمل بهذين الخيارين ومما قاله :" أتريدونني أن أطلب النصر بالجور فوالله ما كان ذلك أبداً " فرسم من خلال بياناته التاريخية أبعاد سياسته بوضوح في معالجته الواعية مع أصحابه الذين قدموا له الإقتراحات التي لا تنسجم مع رساليته .
وفي بيان سياسي مؤثر نلحظ عمق المرارة وهو يؤكد من خلال كل كلمة من كلماته الحق الذي إطمأن إليه ، ومما جاء في بعض كلامه :
" عرفت أهل الكوفة وتلونهم ولا يصلح لي منهم ما كان فاسداً ،إنهم لا وفاء لهم ولا ذمة في قول ولا فعل ،إنهم لمختلفون ويقولون أن قلوبهم معنا وسيوفهم لمشهورة علينا".
وفي كلام آخر للإمام الحسن (ع) يقول فيه :" غررتموني كما غررتم من كان قبلي مع أي إمامٍ بعدي تقاتلون ؟ مع الكافر الظالم ! الذي لا يؤمن بالله ولا برسوله قط ! ".
وقد وصل الأمر في جمهور الإمام الحسن (ع) إلى حد الخيانة والإنحياز إلى جانب معاوية طمعاً بالمال والجاه ، حتى أن بعض زعماء الكوفة كانوا يراسلون معاوية ويعدونه بتسليمه الإمام الحسن (ع) مكتوفاً في أي وقتٍ شاء ، ثم يأتون إلى الإمام الحسن (ع) ويقولون له أنت خليفة أبيك ووصيه ونحن السامعون المطيعون لك فَمُرنا بأمرك .
وكان كذبهم ونفاقهم هذا من أوضح الأمور عند الإمام الحسن (ع) الذي كان يقول لهم : " كذبتم والله ما وفيتم لمن كان خيراً مني فكيف تفون لي وكيف أطمئن إليكم ؟!" .
إن هذا الصراع الذي كان يعيشه الإمام الحسن (ع) يؤكد لنا وبكل وضوح مدى قوته وثباته في مواجهة هؤلاء ، وأنه لم يقف موقف الضعيف أمامهم يوماً من الأيام ، ولم يكن ليتنازل عن حقه راضياً أو أنه سلم الحكم لمعاوية من دون أن يتصدى لمحاربته ، ومما قاله في هذا المجال : " إن معاوية نازعني حقاً هو لي دونه فنظرت لصلاح الأمة وقطع الفتنة فرأيت أن أسالم معاوية وأضع الحرب بيني وبينه وقد رأيت أن حقن الدماء خيرٌ من سفكها ولم أرَ إلا صلاحكم وبقائكم وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ".
وفي بيانٌ آخر يقول: " والله ما سلمت الأمر إلا لأني لم أجد أنصاراً ولو وجدت أنصاراً لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه ".
ويتلخص من بيانات القيادة الحسنية الأمور التالية :
1- عدم الدخول في معركة نتائجها معلومة مسبقاً .
2- منع سفك الدماء التي ستذهب هدراً من غير فائدة .
3- وافق الإمام الحسن (ع) على إبرام صلحٍ مع معاوية تحت الشروط التالية :
1- تسليم الأمر إلى معاوية على أن يعمل وفقاً لكتاب الله وسنة رسوله .
4- إرجاع الخلافة للإمام الحسن (ع) أو لأخيه الإمام الحسين (ع) إن لم يكن هو موجوداً .
5- أن يترك معاوية سب أمير المؤمنين علي (ع) وأن لا يذكره إلا بالخير .
6- تنظيم بيت مال المسلمين .
7- المحافظة على أمن الناس حيث كانوا في الشام أو العراق أو الحجاز أو اليمن…
8- أن لا يتعرض معاوية لأحد من شيعة علي (ع) .
وافق معاوية على تنفيذ بنود الصلح ولكنه بعد أن تسلم الأمر رفض الوفاء بعده وقال :
" والله ما قاتلتكم لآمركم بصلاةٍ أو صيام أو حج لأني أعلم أنكم تصلون وتصومون وتحجون ولكن قاتلتكم لأتأمر عليكم ".
لم يكتفِ معاوية بكل هذا بل راح يخطط لقتل الإمام الحسن (ع) ، وتمكن من فعل جريمته البشعة بمساعدة زوجة الإمام الحسن (ع) التي وضعت السم في طعامه مما أدى إلى وفاته في الثامن والعشرين من شهر صفر سنة 50 بعد الهجرة ودفن في البقيع .