تنظيم العلاقة بين الأرحام / بقلم الشيخ حسين عليان
شدد الدين على تواصل الأرحام بعضهم مع البعض الآخر وعلى تعميق الروابط العاطفية والسلوكية في الأفراح والأتراح والتماسك والتآزر في كل شؤون الحياة . وفي داخل هذه الدائرة وضع الدين القوانين والأنظمة لترتيب العلاقات فيما بين الأرحام ، وجاءت الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة مؤكدة ومشددة على لزوم صيانة العلاقة الرحمية من كل إنحرافٍ أو خلافٍ يؤدي إلى التدابر، فقال تعالى :
( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ).
وقال : ( والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون ) ( البقرة \ 27 ).
وقال : ( ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ) ( لقمان \ 14 ).
وقال: ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيراً ) ( الإسراء \ 23- 24 ).
قال النبي (ص) : ( صلة الرحم تزيد في العمر وتنفي الفقر ).
وقال : ( صلة الرحم تهون الحساب وتقي ميتة السوء ).
وقال : ( أعجل الخير ثواباً صلة الرحم ).
قال الإمام علي (ع) : ( حلول النقم في قطيعة الرحم ).
وفي وصيته لولده الحسن (ع) : ( وأكرم عشيرتك فإنهم جناحك الذي به تطير وأصلك الذي إليه تصير ويدك التي بها تصول ).
وقال الإمام الصادق (ع) : ( من أحب أن يخفف الله عز وجل عنه سكرات الموت فليكن لقرابته وصولاً وبوالديه باراً فإذا كان ذلك هون الله عليه سكرات الموت ولم يصبه في حياته فقر أبداً ).
وجاء في رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين (ع) عن حقوق الأرحام ما يلي :
- حق الأم :
( فحق أمك : أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحدٌ أحداً ، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يُطعم أحدٌ أحداً ، وأنها وقتك بسمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها وجميع جوارحها مستبشرةً بذلك فرحةً ، موابلة محتملةً لما فيه مكروهها وألمها وثقلها وغمها ، حتى دفعتك عنها يدُ القدرة ، وأخرجتك إلى الأرض . فرضيت أن تشبع وتجوع هي ، وتكسوك وتعرى ، وترويك وتظمأ ، وتُظِلك وتضحى ، وتُنعمك ببؤسها ، وتلذذك بالنوم بأرقها ، وكان بطنها لك وعاءً ، وحِجرها لك حواء، وثديها لك سقاء، ونفسها لك وقاء تباشِر حر الدنيا وبردها لك ودونك فتشكرها على قدر ذلك فإنك لا تطيق شكرها ولا تقدر عليه إلا بعون الله وتوفيقه ).( رسالة الحقوق )
- حق الأب :
( وأما حق أبيك : فتعلم أنه أصلك ، وأنك فرعه وأنك لولاه لم تكن ، فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه . فاحمد الله واشكره على قدر ذلك . ولا قوة إلا بالله ).
( رسالة الحقوق )
- حـق الأخ :
( وأما حق أخيك : أن تعلم أنه يدك التي تبسطها ، وظهرك الذي تلتجئ إليه ، وعزك الذي تعتمد عليه، وقوتك التي تصول بها. فلا تتخذه سلاحاً على معصية الله. ولا عدة للظلم لخلق الله . ولا تدع نصرته على نفسه، ومعونته على عدوه والحؤول بينه وبين شياطينه وتأدية النصيحة إليه ، والإقبال عليه في الله . فإن انقاد لربه وأحسن الإجابة له ، وإلا فليكن الله آثر عندك وأكرم عليك منه . ولا قوة إلا بالله ).( رسالة الحقوق ).
بعد الإطلاع على هذه التوجيهات الرسالية والتبحر بمعانيها ندخل إلى عالم المعرفة لفهم قضية تُرسخ روابط الأرحام في السراء والضراء وتُهدينا إلى آلية تنظيم هذه العلاقة وفق مبادئ العلم والمعرفة . ويبقى أن نلفت النظر إلى أن الدعوة لتعميق أواصر القربة ليست عصبية عشائرية ولا قبائلية بل هي عملية تأسيسية لحفظ سلامة المجتمع الكبير الذي يتألف من حلقات أسرية يشكل مجموعها المجتمع الأكبر وأول الوصايا الرسالية في هذا المجال : ( على المرء أن لا يرى شرار قومه أفضل من خيار الآخرين ).
وبهذا التوجيه وسواه من التوجيهات التي مرت في فقرات هذا الفصل والتي فحواها ميزان التمييز بين إنسانٍ وآخر هو الإستقامة والصلاح وليس أي عنوان آخر خارج هذه الدائرة فبهذا يتضح ما يمكن أن يراودنا من أسئلة ويتضح أيضاً أهمية مراعاة التراحم بين الأقرباء .