الصدق والكذب والرياء
بقلم الشيخ حسين عليان
الصدق من الصفات التي يتمنى كل إنسان أن يتصف بها حتى فاقدها ، والصدق يشكل مصدراً من مصادر النجاح في المجتمع البشري ومن هنا نجد أن الشرائع السماوية قد اعتنت به اعتناءً كبيراً ، ووردت فضائله والدعوة للتحلي به في الكتاب والسُنة .
ويناقضه تمامأ الكذب الذي هو صفة مذمومة يرفضها حتى من يحملها ويحاول التبرئ منها ، وسلخها عن نفسه أمام الناس ، وكما نجد في القرآن والسُنة الدعوة الى الصدق، فيقابل ذلك تماماً النهي عن الكذب وتوعد مرتكبه المصر عليه بالنار .
وأما الرياء فهو من الأمراض النفسية التي تصيب بعض الناس فيعملون للدنيا ويصبح همهم الوحيد أن يراهم الناس يدفعون المال أو يقدمون الخدمات أو يتعبدون وينسون الأهداف الكبرى التي يبلغها الإنسان بالعمل الصالح .
الصدق والكذب والرياء مواضيع متعددة نجد الحديث عنها في القرآن والسُنة النبوية ، ونجدها أيضاً في كل الكتب السماوية . ونجدها في عقولنا فالعقل يأمر بالصدق ويحببه وينهى عن الكذب ويرفضه ويطلب الإخلاص في النية والعمل حتى لا يقع الإنسان في الرياء .
ـ الصدق في القرآن :
قال الله تعالى :{ والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون، لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين } الزمر 33-34 .
وقال :{ هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً } المائدة 119 .
وقال تعالى :{ يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } التوبة 119 .
الأحاديث والأخبار :
قال النبي (ص) : زينة الرجل الصدق .
وقال أمير المؤمنين علي (ع) : إلزموا الصدق فإنه منجاة .
وقال الصادق (ع) : من صدق لسانه زكى عمله .
وقال أيضاً : لا تغتروا بصلاتهم ولا بصيامهم فإن الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركه استوحش ولكن اختبرهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة
ـ فوائد الصدق :
بالصدق تأمن الناس من الغش والخيانة والسرقة وكل الرذائل السيئة التي تؤدي الى خراب وتدمير المجتمعات الإنسانية . وبالصدق يأخذ صاحب الحق حقه وتظهر حقائق الأمور ، فلا شك ولا ضياع ولا غش ولا خيانة . وللصدق لذة عظيمة لا يعرفها إلا من حملها .
ـ أضرار الكذب
يعتبر الكذب من الصفات المذمومة والقبيحة عقلاً. وقد نهت الشريعة عنه واعتبرت مرتكبه مستحقأ للعقاب الشديد وهو من الذنوب الكبيرة التي يستحق مرتكبها المصر عليها النار . والكذب يؤدي الى قتل الثقة بين الناس وشياعه في أي مجتمع يؤدي إلى سقوط القيم والمبادئ الإنسانية .
ـ الآيات والأحاديث
قال تعالى :{ إن الله لا يهدي كل مسرف كذاب } غافر 28 وقال :{ إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون } النحل 10 .
قال النبي (ص: الكذب ينقص العمر .
وقال : إن العبد يكذب الكذبة فيتباعد الملك عنه مسيرة ميلٍ من نتن ما جاء به .
وقال الإمام علي (ع) : إن الكذب يورث الفقر .
وقال الباقر (ع): إن الكذب هو خراب الإيمان .
ـ الرياء :
الإلتزام بأداء العبادات يشترط فيه الإخلاص المطلق لله تعالى والعمل الذي لا يكون خالصاً لله عز وجل مرفوضٌ ومردودٌ الى صاحبه ، ولتوضيح المسألة نضرب هذه الأمثلة .
عندما يلتزم الإنسان بأمر الله في الصلاة ويذهب لأدائها وهو يقصد تلبية نداء الله بوجوب الصلاة ويقصد أيضاً أن تراه الناس مصلياً لتصفه بالورع والإيمان ،فإن هذه الصلاة ليست خالصة لله عز وجل لأنه أدخل في نيته قصداً آخراً غير التوجه الى الله وهو الناس فأشركهم فيما يجب أن يكون خالصاً لله عز وجل وهذا ما يسمى (الرياء) وقد حذر النبي (ص) من اعتياد النفس على هذا السلوك فقال :" إني أخاف عليكم من الشرك الأصغر ؟ قيل يا رسول الله وما الشرك الأصغر ؟ قال الرياء".
وأيضاً مثل الإنسان الذي يساهم بمساعدة الفقراء تحت عنوان الصدقة التي يشترط فيها القربة المطلقة لله تعالى فإذا أضاف إلى قصده هذا أن تراه الناس ليمدحوه ويمجدوه فيكون هذا العمـل للناس وليس لله عز وجل . وأيضاً نفس الامر في الصيام والحج والجهاد وسائر العبادات …
وقد حذر القرآن الكريم من الرياء في أكثر من آية فقال تعالى :
{يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً }النساء 142 .
وقال تعالى :{ كالذي ينفق ماله رئاء الناس } البقرة 264 .
وقال أيضاً :{ فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً }
الكهف 110 .
روي عن الإمام الصادق (ع) قوله :" كل رياء شرك فمن عمل للناس كان ثوابه على الناس ومن عمل لله كان ثوابه على الله ".
وروي عن الإمام موسى الكاظم (ع) قوله :" يؤمر برجال الى النار فيقول الله تعالى (لمالك) قل للنار لا تحرق لهم أقداماً فقد كانوا يمشون الى المساجد ولا تحرق لهم وجهاً فقد كانوا يسبغون الوضوء ولا تحرق لهم أيدياً فقد كانوا يرفعونها بالدعاء ولا تحرق لهم ألسناً فقد كانوا يكثرون تلاوة القرآن . قال : فيقول لهم خازن النار : يا أشقياء ما كان حالكم ؟ قالوا : كنا نعمل لغير الله عز وجل .فقيل لنا : خذوا ثوابكم ممن عملتم له ".
وقد ورد عن السيد المسيح في الكتاب المقدس العهد الجديد قوله :" احترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكي ينظروكم .. وإلا فليس لكم أجرٌ عند أبيكم الذي في السماوات فمتى صنعت صدقة فلا تصوت بالبوق كما يفعل المراءون في المجامع وفي الأزقة لكي يمجدوا من الناس . الحق أقول قد استوفوا أجرهم .
وأما أنت إذا صنعت صدقة فلا تعرف شمالك ما تفعل يمينك لكي تكون صدقتك في الخفاء فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية ".
ويقول للصائم :" وما صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين فإنهم يغيرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين . الحق أقول لكم انهم قد استوفوا أجرهم وأما أنت فمتى صمت فادهن رأسك وأغسل وجهك لكي لا تظهر للناس صائماً بل لأبيك الذي في الخفاء فأبوك يرى في الخفاء يجازيك علانية ".
وقد ورد عن طريق علمائنا الأحاديث والراويات التي تدعو الإنسان ليمارس الرقابة وليأدب نفسه في أهدافها لتكون خالصة لله تعالى . فذكر صاحب كتاب منية المريد أحاديث كثيرة موجهة الى طالب العلم ليكون طلبه هذا خالصاً لخدمة الرسالة وبعيداً عن الأغراض الشخصية فروي عن النبي (ص) قوله :" من طلب العلم ليجادل به العلماء أو ليماري به السفهاء أو يصرف وجوه الناس إليه أدخله الله النار ". وفي حديث آخر :" فليتبوأ مقعده من النار ".
وقال (ص) :" لا تتعلموا العلم لتماروا به السفهاء وتجادلوا به العلماء ولتصرفوا به وجوه الناس إليكم وابتغوا بقولكم ما عند الله فإنه يدوم ويبقى وينفذ ما سواه ". "
بعد الذي ذكرناه يتضح لدينا أهمية السهر على أنفسنا ومراقبتها لكي لا تضيع أعمالنا ونخسر كل شيء ، ثم إن إعمال الرقابة على النفس في هذا المجال الذي تقدم الحديث حوله يأتي في مرتبة متأخرة عن الالتزام بأمر الصلاة أو الصيام أو الحج …
فحتى لا يكون إلتزام الإنسان خاطئ ويسير في اتجاه معاكس لحقيقة العبودية لله تبارك وتعالى . وحتى لا نكون من الذين ضل سعيهم في هذه الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً علينا أن نلتفت الى المقاصد والنيات في كل عمل من أعمالنا ليقع هذا العمل خالصاً لله تبارك وتعالى .
وهكذا فهناك الموارد الكثيرة التي يدخل فيها الرياء كما عرفت من خلال ما ذكرناه في الأخبار والأحاديث المروية .
وما يهمنا في آخر هذا الحديث أن ننتبه لخطورة هذا المرض الذي يعشعش في نفوس ضعفاء الإيمان الذين يتبعون الشيطان الذي يأخذهم عن طاعة الله ليضلهم فيخسروا الخسران المبين .