الرسول والرسالة ــ بقلم الشيخ حسين عليان
سأركز في هذا الدرس على الحركة الرسالية للنبي (ص) ولن أتعرض للجانب الشخصي إلا بما له إرتباط بالرسالة لأنه بمجرد الإيمان بنبوة محمد (ص) يعني ذلك أننا سلمنا بأنه يمتلك الصفات والمؤهلات التي يحتاجها الرجل القيادي الذي يختاره الله لتحمل مسؤولية الرسالة وأمانة تبليغها ، ولذلك فإننا نحتاج إلى التعرف على الجانب السلوكي في شخصية النبي (ص) لأنه يرتبط إرتباطاً مباشراً بحركة الدعوة الإسلامية .
المجتمع قبل نبوة محمد (ص) :
من أبرز مساوئ المجتمع قبل البعثة النبوية أنه كان ممزقاً بين القبائل والعشائر التي كان بعضها يغزو البعض الآخر ، وفي أغلب الأحيان كان الصراع يحصل بسبب أمورٍ لا قيمة لها ، وكانت الحروب في ذلك المجتمع تنطلق من موقع العصبية والإنفعال ، ومن الشواهد حرب داحسٍ والغبراء التي إستمرت عقوداً من الزمن …
ومن مساوىء ذلك المجتمع كانت بعض قبائله تعمد الى دفن المولود الأنثى إعتقاداً منهم بأن الأنثى مصدر العار ..
ومن المساوئ أيضاً كانوا يقتلون أولادهم خشية الفقر وكانوا يعبدون الأوثان والأصنام فضلاً عن كثيرٍ من المساوئ التي لا يتسع المقام لذكرها .
وسط هذا المجتمع كان النبي محمد (ص) يعيش السلوكية الصادقة في قلبه وعمله وكانت الناس تنظر إليه على أنه الصادق الأمين الخلوق الذي يحمل الصفات الإنسانية العالية ، هذه السلوكية شكلت العمود الفقري للدعوة فمحمد الذي لا يكذب ولا يسرق ولا يعتدي ... هو نفسه يعلن نبوته بأمر من الله تعالى .
بداية الدعوة وسريتها:
عرفت بأن المجتمع قبل البعثة كان يعبد الأصنام ويعيش المساوئ الأخلاقية والإجتماعية التي ذكرنا شيئاً منها ، وفي المقابل كان النبي (ص) يرفض أن يكون جُزءاً من عادات وتقاليد هذا المجتمع وكان يذهب إلى منطقة غار حراء يتأمل ويتفكر في خالق هذا الكون الرحيب إلى أن اختاره الله وأنزل عليه الوحي وبلغه بأنه رسوله للعالمين .
إنطلق النبي في أول حركته من بيته عندما أخبر زوجته خديجة إبنة خويلد وعلي بن أبي طالب بنبوته فآمنا به وكانت هذه المرحلة هي المرحلة الأولى للدعوة وهي المرحلة السرية فكان النبي (ص) لا يفاتح بها إلا من يثق به وكان يدعوهم سراً وحذراً خوفاً من قريش التي كانت متعصبة لوثنيتها وشركها .
في هذه المرحلة شكل النبي النواة الأولى التي وقع على عاتقها مسؤولية الدعوة وتبليغها بسرية وحذر.
اعتماد السرية في الدعوة لم يكن لمجرد الخوف على حياة النبي بل كان الخوف على مستقبل الرسالة التي يتوقف إستمرارها على حياته .
المرحلة الثانية في حركة النبي (ص) :
بعدما أصبح عدد المسلمين كافياً للدفاع عن دينهم ومعتقدهم أمر الله تبارك وتعالى نبيه أن يجهر بالدعوة ، فأعلن النبي (ص) عن رسالته أمام أقربائه وعشيرته ، إلا أن قريش لم تقبل الأمر رغم الثقة العالية بمحمد الصادق الذي لا يصدر عنه الكذب ولكن هذا الأمر كان مرفوضاً ومحارباً من قبل قريش التي بدأت تمارس أبشع أنواع الأذى على النبي (ص) ، ولكن هذا الأذى الذي صدر من قريش لم يمنعه من متابعة مسيرته الرسالية لتحقيق كامل لأهداف .
إشتدت المضايقات على النبي (ص) في مكة وكان لا بد من اختيار الموقع البديل لتحقيق الأهداف المنشودة لأن البقاء في مكة سوف يهدد مستقبل الرسالة ، فاختار النبي (ص) أن يذهب إلى الطائف التي لم يجد فيها المطلوب إذ أن المعاناة في الطائف لم تختلف عن المعاناة في مكة وعليه فهي لا تصلح أن تكون الموقع البديل لإعطاء حيوية للرسالة في النهوض والإستمرار وكان الخيار الأنسب هجرة النبي (ص) إلى يثرب التي أُطلق عليها فيما بعد إسم المدينة المنورة .
في المدينة المنورة وجد النبي (ص) المناخ المناسب فبدأ يُؤهل الكوادر ويعد لبناء دولة متماسكة قادرة على مواجهة الأعداء ، وبالفعل تمكن خلال فترة قصيرة من بناء هذه الدولة بكل مؤسساتها العسكرية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية …
تمكنت الدولة الفتية أن تدافع عن نفسها وتلحق الهزيمة بالمشركين في الكثير من المواقع ، ومن أبرز تلك الهزائم التي مُنيَّ بها المشركون : بدر والأحزاب وخيبر...
بعد هذه المرحلةلم يعد مسموحاً للمجتمع المشرك في مكة أن يتحرك بحريته ويخطط لضرب الدولة الإسلامية أو حركتها الرسالية .
بعد مدة من الزمن أخذ النبي (ص) القرار بفتح مكة وتمكن من إنجاز هذا الأمر من غير أن يحتاج إلى دفع أثمان الحرب لأن المشركين انهزموا أمام جحافل الجيش الإسلامي المنظم بقيادة النبي (ص) .
هذه الخطوة أدت الى غل يد الشرك وأصبح الإسلام واقعاً غير مسموحٍ لأحدٍ أن يتجاهل وجوده وقوته بعد أن سقطت كل المحاولات لإلغاءه ، وبذلك تكون قد انتصرت تلك الإرادة المصممة على التضحية والفداء في سبيل تنفيذ ما أراده الله تعالى .
إن العبرة والدرس الذي نستفيده من تلك المحطة أن الإيمان والقناعة والثبات والصبر مكنت تلك المجموعة أن تبني مجتمعاً لا نظير له في التاريخ ، وقد تمكن هؤلاء من تحقيق هذه الإنجازات لأنهم نصروا الله باتباعهم الحق وثباتهم على المبادئ وحملهم للقيم .
والمهم الذي نستفيده في هذا المقام هو وجوب السير على نهج أولئك العظماء الذين لم تأخذهم في الله لومة لائم حين خاضوا الغمرات للحق ولم يمنعهم شيئٌ عن أداء واجبهم الرسالي .