مفهوم الزواج ـ بقلم الشيخ حسين عليان
خلق الله تعالى الإنسان ممتازاً بنعمة العقل ليكون خليفته في الأرض وجعل استمرار وجوده بواسطة التزاوج بين صنفيه الذكر والأنثى ، وحتى لا تعم الفوضى وتسود العشوائية في عملية التزاوج سن الله تعالى القوانين التي تنظم اللقاء الزوجي بما ينسجم مع المشروع الملقى على عاتق الانسان وليس الهدف من تشريع القانون الذي ينظم الحياة الزوجية حفظ الوجود البشري كيفما اتفق ، فإنه لا يخفى عليك ان عملية التناسل تحصل بالتزاوج المشروع والهادف وبغير ذلك والصحيح في هذا المقام ان يقال :
الهدف من تنظيم العلاقات الزوجية حفظ الوجود البشري بما ينسجم مع الغرض الذي خلق الانسان لأجله وهو إستخلافه في الأرض ليُحدث فيها تغييراً وتطويراً ، وأراد الله تعالى أن تكون روافد المجتمع البشري الكبير من خلال الأسرة ومن هنا أعطى موضوع الزواج أهمية كبرى وشرع الأحكام وسن القوانين التي من شأنها حفظ الأسرة والتي منها صلة الرحم وإعطاء المنزلة الرفيعة للأبوين وغير ذلك من الأمور التي تُمتن أواصر القربة وتحفظ الروابط بين بني البشر .
الزواج الهادف :
يُشجع الاسلام على الزواج الهادف لبناء أسرة تساهم في صلاح وتطوير وازدهار المجتمع . ومن جهة ثانية لهدف صيانة الفرد عن ارتكاب المنكر ، فقال النبي (ص) : "ما بني بناء في الاسلام أحب الى الله من التزويج ".
وقال :" من تزوج فقد أحرز نصف دينه فليتقِ الله في النصف الباقي ".
وأمام هذه الدعوة التوجهية يقف الانسان في مجتمع اليوم ليرسم في خياله صورة المتطلبات التي يفرضها الزواج وتطالعه الاسئلة الكثيرة .
كيف يؤمن البيت والأثاث والسيارة والهاتف والمهر وغيرها من الأمور... فتتكدس الصور في ذهنه ويلاطم بعضها البعض الآخر الى ان يرجع وفق هذه الحسابات مهزوماً ليستأنف عزوبيته من جديد . وهذا كله نتيجة الثقافة الخاطئة والعادات والتقاليد التي تمارسها الناس الى ان تصبح سُنة يحرم مخالفتها بنظرهم ونسمع عن بعض الأمهات وهي تعلم بناتها على اختيار الشاب المتمول الذي يملك السيارة الفخمة والقصور الضخمة ويمكنه الانفاق ليلة الزفاف حيث لباس العرس والضيافة وصالة الأفراح و.و..
هذا الترف الذي أفسد حياتنا ومهد للفساد وحرم الكثير من بناتنا من فرصة الزواج بعد تقدمهم في السن .
أقول لك أيتها الأم تعالي الى حيث يرضي الله وعلمي ابنتك ان تختار الانسان الذي يحفظ كرامتها ويصون عزتها ولا تغرك الدنيا فإن المال يذهب والقيم والأخلاق تبقى . أقول لك لا تخافي من الفقر فإن الارزاق بيد الله فقد قال تعالى :{وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم }.( النور\ 32).
وقال النبي (ص) :"من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء الظن بالله " ، وسئل النبي (ص) "من نزوج؟ قال " الأكفاء .
قيل له :" ومن الأكفاء ؟ قال :" المؤمنون بعضهم أكفاء بعض . وقال :" ان جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ".
نعم الفقير الكسول والخمول مرفوض لأنه ليس أهلاً لتحمل المسؤولية ، ما نطلبه هو الانسان المجد الخلوق المؤمن فقيراً كان أم غنياً .
وهنا لا يمكننا ان ننكر أن اليسر المادي عامل مساعد على التوسعة والراحة ولكنه ليس معياراً دخيلاً في تحديد الزوج الأمثل الذي يؤمن السعادة الزوجية .
فالسعادة والشقاء لا يرتبطان بالغنى والفقر انظر في حياة البيوتات الزوجية فإنك تجد بعض الفقراء يعيشون بسعادة وهناء وآخرون من الأغنياء يعيشون البؤس والشقاء .
ومن هنا نعلم ان الفقر والغنى ليسا سر السعادة أو الشقاء ، فالسر في الأخلاق والاحترام والايمان ، ومتى فقدت هذه العناصر فقدت السعادة غنياً كان الإنسان أم فقيراً .
وننصح الشباب أن لا يخافوا من الاقدام على الزواج المبني على الأسس الصحيحة في تحمل المسؤولية واختيار الزوجة الصالحة التي تشارك زوجها في الأفراح والأتراح . وننبه إلى ان الدين الاسلامي لم يمنع الفقير عن الغني ولا الأبيض عن الأسود ولا العكس . في الوقت نفسه وجهنا الى حكمة الاختيار بما يضمن سلامة البيت الزوجي من المشاكل . فقال النبي (ص) :" اياكم وخضراء الدمن . قيل يا رسول الله وما خضراء الدمن ؟ قال الحسناء في منبت السوء " .
وقال :"اختاروا لنطفكم فإن العرق دساس ".
وننبه الى أهمية التعقل في الإقدام على الزواج وان لا يكون الدافع إليه المشاعر العاطفية والغرائزية المجردة عن فهم المسؤولية التي سيواجهها الانسان في حياته الزوجية .
لأنه في حال إعتمدت الطريقة الغرائزية سيتحول الزواج إلى عبءٍ على الزوجين وبالتالي يعيش كل منهما التعب والشقاء ويتمنى الزوج لو أنه لم يتزوج ولم يفكر بأصل الموضوع ، وأيضاً الزوجة تتمنى لو أنها إختارت البقاء مع أهلها لكان أفضل وأحسن لها . وهنا يحصل موقف سلبي من أصل الزواج مع أن الشقاء والتعب سببه عدم رسم خارطة الطريق للحياة الزوجية وما فيها من مسؤوليات . وهنا قد يقول أحد الزوجين أو كلاهما أن السعادة في العزوبية والحياة الزوجية شقاء وتعب ومصدر الهم والمعاناة ، ولكن هذا التفكير غير سليم لأن المعاناة هي نتيجة عدم فهم الحياة الزوجية ومتطلباتها ، ولو جردنا تلك الحياة عن التبعات الحاصلة من سوء التقدير والتصرف لكان القول عكس ذلك تماماً .
وبناءً على ما تقدم يجب أن يتهيأ المرء لتحمل المسؤولية الكبرى في الحياة الزوجية ويجب أن يعلم بأن الزواج يصادر جزءً من حريته وراحته وغير ذلك من الأمور التي كانت متوفرة لديه في العزوبية ، وهنا نقول : هل يطلب الإنسان حياة الرياسة أو القيادة من دون أن يكون لذلك أي تبعات عليه ؟ هذا أمر غير معقول .