التربية السلوكية
بقلم الشيخ حسين عليان
وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ تَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ وَأَنْكِرِ الْمُنْكَرَ بِيَدِكَ وَلِسَانِكَ وَبَايِنْ مَنْ فَعَلَهُ بِجُهْدِكَ وَجَاهِدْ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ وَلَا تَأْخُذْكَ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ وَخُضِ الْغَمَرَاتِ لِلْحَقِّ حَيْثُ كَانَ وَتَفَقَّهْ فِي الدِّينِ وَعَوِّدْ نَفْسَكَ التَّصَبُّرَ عَلَى الْمَكْرُوهِ وَنِعْمَ الْخُلُقُ التَّصَبُرُ فِي الْحَقِّ وَأَلْجِئْ نَفْسَكَ فِي أُمُورِكَ كُلِّهَا إِلَى إِلَهِكَ فَإِنَّكَ تُلْجِئُهَا إِلَى كَهْفٍ حَرِيزٍ وَمَانِعٍ عَزِيزٍ وَأَخْلِصْ فِي الْمَسْأَلَةِ لِرَبِّكَ فَإِنَّ بِيَدِهِ الْعَطَاءَ وَالْحِرْمَانَ .
الشرح :
1ـ (وامر بالمعروف تكن من أهله ...) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم الأدوات التي تساعد على الإستقامة والإلتزام بما أمر الله تعالى به ونهى عنه ويأتي هذا التشريع بمثابة منبه ومحذر للإنسان الجاهل أو الغافل عن الحق أو المتعمد لإنتهاكه وقد أرشدنا الله تعالى إلى هذا الواجب المهم في كتابه الحكيم فقال : وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (ال عمران 104)
ويعتبر الساكت عن المنكر مراعياً ومداهناً لأهل المعاصي والراضي بفعل قومٍ كالداخل فيه معهم، فقد جاء في الحديث القدسي المخاطب به نبي الله شعيب قول الباري عزوجل : لأعذبن من قومك مائة ألف ؟ أربعين ألفاً من شراراهم . وستين ألفا من خيارهم ! فقال النبي (ع) :
هؤلأ الأشرار فما بال الأخيار ؟ فأوحى الله تعالى إليه : لأنهم داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي.)
وقد حذر النبي (ص) من مخاطر ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عندما يظهر الفساد فقال:
(كيف بكم إذا فسدت نساؤكم وفسق شبابكم ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر . فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله ؟ فقال : كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ؟ فقيل له : يا رسول الله ويكون ذلك ؟ فقال : نعم وشر من ذلك كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً )
وجاء في الحديث عنهم (ع) : (إن بالأمر بالمعروف تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحل المكاسب وتمنع المظالم وتعمر الأرض وينتصف للمظلوم من الظلام ولا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات وسلط بعضهم على بعض ولم يكن لهم ناصر في الارض ولا في السماء )
وإذا أردنا أن نطبق هذه التوجيهات والعظات على واقعنا نجد أن كثيراً من الناس يمتنعون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مرة تحت عنوان عدم الإهتمام وأخرى تحت عنوان الخوف على المصالح أو حفظ الحياة وغير ذلك من المبررات هنا يجب أن نعلم أن الرزق والأجل كله بيد الله تعالى وليس بيد الناس فالإمام علي (ع) يبين هذا المعنى بقوله : ما كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليقربان أجلاً او يقطعان رزقاً .
2ـ (وجاهد في الله حق جهاده ...) ألجهاد من أعظم الواجبات التي حث الله عليها وأعطى خائضه منزلة رفيعة في الدنيا والأخرة واعتبر أن المجاهد في سبيل الله إن قتل يفوز برتبة الشهيد وهي الحياة الأبدية في جنات النعيم قال تعالى : وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (البقرة154)
والجهاد له جهات مختلفة ومنها جهاد العدو بالسلاح مجاهدة الظالم وقول كلمة الحق بوجهه ومنها مجاهدة النفس وتفاصيل ذلك يذكر في محله إن شاء الله تعالى ولمزيد من الفائدة نذكر الآيات التالية حول مسألة الجهاد في سبيل الله . قال الله تعالى: انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة41)
قال تعالى : فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (التوبة81)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. (الصف12)
3ـ (خض الغمرات للحق حيث كان...) مما لا شك فيه أن كلمة الحق بلحاظ الحسابات الدنيوية مكلفة جداً لأنها تتعارض مع مصالح الظالمين الذين يستشرسون في قمع ومعاقبة من يتصدى لمواجهتهم ولذلك جاء في الحديث أفضل الجهاد كلمة حق بوجه سلطان جائر وقد أعد الله تعالى لحملة لواء الحق والمدافعين عنه منزلة رفيعة ودرجة عالية كما تحدثنا آيات الكتاب الحكيم التي ذكرناها حول الجهاد في سبيل الله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ...
4ـ (وتفقه في الدين...) ألتفقه في الدين من المسائل الضرورية التي يحتاجها الإنسان في مواجهة الباطل أو في مهمة الوعظ والإرشاد وتعليم الجاهلين وهدايتهم إلى الصراط المستقيم قال الله تعالى في محكم كتابه : وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (التوبة 122)
وقال : .....إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (فاطر28)
وقال : ....يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
(المجادلة 11)
وروي عن النبي (ص) قوله : (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ) وقال : (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)
وَمِنْ كَلَامٍ لَهُ ( عليه السلام ) لِكُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ قَالَ كُمَيْلُ بْنُ زِيَادٍ أَخَذَ بِيَدِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ( عليه السلام ) فَأَخْرَجَنِي إِلَى الْجَبَّانِ فَلَمَّا أَصْحَرَ تَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ ثُمَّ قَالَ:
يَا كُمَيْلَ بْنَ زِيَادٍ: إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا فَاحْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ لَكَ : ألنَّاسُ ثَلَاثَةٌ فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ وَهَمَجٌ رَعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ وَلَمْ يَلْجَئُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ يَا كُمَيْلُ الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ وَأَنْتَ تَحْرُسُ الْمَالَ وَالْمَالُ تَنْقُصُهُ النَّفَقَةُ وَالْعِلْمُ يَزْكُوا عَلَى الْإِنْفَاقِ وَصَنِيعُ الْمَالِ يَزُولُ بِزَوَالِهِ يَا كُمَيْلَ بْنَ زِيَادٍ مَعْرِفَةُ الْعِلْمِ دِينٌ يُدَانُ بِهِ، بِهِ يَكْسِبُ الْإِنْسَانُ الطَّاعَةَ فِي حَيَاتِهِ وَجَمِيلَ الْأُحْدُوثَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَالْعِلْمُ حَاكِمٌ وَالْمَالُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ يَا كُمَيْلُ هَلَكَ خُزَّانُ الْأَمْوَالِ وَهُمْ أَحْيَاءٌ وَالْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ وَأَمْثَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ ...
5ـ ( وألجأ نفسك في الأمور كلها الى إلهك ...) يجب التوكل على الله والرجوع إليه في كل صغيرة وكبيرة فهو وحده بيده العطاء والحرمان والقادر على كل شيء وهنا ألفت النظر إلى أن مسألة التوكل على الله لا تعني أبدا تعطيل الحراك البشري في الحياة فالتوكل يكون مقروناً بالسعي والمجاهدة في أي مسألة من مسائل الدنيا إنظر ماذا قال الله تعالى لمريم إبنة عمران بعد أن وضعت مولودها : وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (مريم25)
هذا يفيد أن الله تعالى أمر مريم بالسعي لتحصل على رزقها فهي عاجزة عن هز جذع النخلة بوضعها الطبيعي فكيف وهي نفساء ؟ لذلك التوكل على الله تعالى في قضايا الحياة ومسائلها يجب أن يكون مقرونا بالعمل والكد والجد ... قال تعالى : ... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (الطلاق3)
بعد كل الذي تقدم من مفاهيم سلوكية في هذا الدرس نكون قد عرفنا أهمية الإلتزام بما يصلح ومجتمعاتنا ويخرجنا من الردى إلى الهدى أقول قولي هذا وأستغفر الله تعالى لي ولكم والحمد لله رب العالمين .