[right]أجلس في ذات المكان ..
أرافق شمساً تسافر إلى عالم آخر ..
أحدق إلى البعيد وأتذكر ..
يوم كنا ننام على نغمات الحداء ..
نغفو ونستيقظ في حياتنا البريئة ..
نرضع مع الحليب حنان الأمهات ..
نحن أطفال نحب بعضنا نحبو على الأرض ..
لا يهمنا حين تلامس أناملنا التراب ..
وتمشي أيام عمرنا في سيارة الزمن ..
فنكبر مثل كل الأحياء ..
وبيننا وبين الغد مسافة قصيرة لم نحسبها بعد ..
صرت أمشي على قدمي وأقع بين الخطوة والخطوة ..
أتنهد من غير أن أعرف معنى للتنهدات ..
وكنت في كل مرة أقع فيها على الأرض أعود لأقف من جديد ..
أصر على متابعة المسير من غير يأس ولا خوف .
كنت لا أستسلم لقلة حيلتي أجازف وكأن أمامي هدفاً مقدساً ..
أبتسم تارة وأبكي أخرى ..
إبتسامتي لا تشبه إبتسامة الكبار ودمعتي غير دمعتهم وفرحتي تولد من اللعب واللهو ..
فما زلت حراً في هذه الحقبة من الزمن
لم يحاصرني الوجع بعد ..
ولم ترميني الأيام بسهامها المسمومة بعد
ما زلت حراً ..
أنام حين أتعب ، وأستيقظ لآكل وألعب .
أنا لا أعرف ماذا ينتظرني بعد قليلٍ من السنين .
حبذا لو أعرف إلى أين ستقودني عجلة الزمن .
الآن قالوا لي وأخبروني على طريقتهم ..
قالوا لي ستموت حريتك وستغيب إبتسامتك لتعيش في حياة مليئة بالخوف والرعب .
في الغد ستنام على وسادة عطشى لدمعك الحزين
وفي كل يوم تستيقظ على أخبارٍ جديدة .
إنحنيت على الأرض التي كنت أحبو عليها ..
أخذت شيئاً من ترابها ..
هنا على هذا التراب لعبت وتركت كل الذكريات الجميلة ومشيت نحو الغد من غير أن أعرف ماذا يُخبئ لي ذلك الغد ..
ليتنا نعرف سر ما نحب وسر ما نسعى إليه ..
ليتنا نعرف أن الذي نحب مليء بالآلام والأوجاع
لما أكملنا الطريق ولما أحببنا السير فيها .
من منا يعرف ماذا يُخبئ له الغد ..
نحن نجهل ماذا يوجد في منتصف الطريق ..
نفرح ونحن نسير ونرى الورود على جوانب حياتنا .
نرى الأشجار الجميلة تظلل مساحة مسيرنا ..
وفي الطريق نلتقي بالكبار فينصحوننا بالعودة .
نرفض نصائحهم ونكمل المسير . وأحياناً نتهمهم ونحسبهم من الأعداء . ونكره منهم حتى الكلام
وعندما يتمكن الوجع من أرواحنا نندم ونندم ونحاول أن نرجع ولكننا لا نقدر .
نرفض أن نعترف بعجزنا وتسقط كلماتنا في أجران خوفنا صفراء مثل أوراق الخريف .
تهوي من غير صدى ولا يعرف أحد سر حكايتنا
يقتلنا خناق الكتمان وأيضاً لا نعترف ..
أحياناً تظهر الأوجاع في صفحات وجوهنا وأيضاً لا نعترف ..
وحده القلب يحمل كل الأوجاع التي تكوي أرواحنا من غير أن نصرخ .
نشعر أحياناً بأن أجسادنا تتمدد كأجساد الأموات ونشعر كأن أرواحنا تريد أن تهاجر إلى أجسامٍ مستعارة ..
تضيق بنا السبل فنكفر بالحياة من غير تفكر .
ويصبح كل شيءٍ من حولنا كذبة كبيرة ..
هكذا نترك الطفولة وننهض نحو مشاغل ومشاكل هذه الحياة البائسة .
لم نعد كالفلاحين الذين يحملون الأمل وينتظرون موسم الحصاد ولا يخافون من الجراد على محصولهم .
أما نحن فنخاف من أسراب الجراد الآتية إلى حقولنا تبحث عن الحب في السنابل..
ولا يعترضها حارس الأرض ..
وتغيب طيور البجع لتبقى الحقول مسرحاً للجراد المهاجر .. فيتمادى ويفتك بالسنابل قبل موسم الحصاد حتى لا يبقى لنا شيءٌ .
ونشعر مرة أخرى أن الطبيعة فقدت توازنها ولم يعد في هذه الحياة شيءٌ يسير في مجراه الطبيعي .
هكذا هي حكاية هذه الحياة المليئة بالبؤس ، يهرم فيها الأمل وتضيع الأهداف ويبقى اليباس من غير إبتسامة الربيع .
ماذا نصنع فقد مشى العمر إلى ذلك الوجع وطوت الطفولة فصول السعادة وصرت مثل كل الذين يكبرون ليعيشوا في كنف العذاب ..
أحلم بالحرية ، احلم بسعادة الأطفال ، ولكن ماذا تنفع الأمنيات فقد تجاوز الزمن حدود ذلك الأمس ، وتبدل كل شيء وصرت في مستنقع الأوجاع الموحل لا أقدر على الجري بعكس تيارات المياه وقد قادني ما أريد إلى ما لا أُريد.
صرت أبحث في قواميس الحياة فلا أجد مهرباً للفرار .
تعبت من التنقل بين الحدود التي أحاطها الخوف من كل جانب وصارت المسافات أضيق من الأمل ، والأحوال تشبه بعضها قلقٌ وأرقٌ وحيرةٌ لا تغادرني..
صرت أخاف من أقرب الأوقات لوقتي ولا أعرف عما أخبركم وماذا أقول لكم..
كرهت الأيام القادمة لأني أعلم أنها ستكون مليئة بالبؤس والقسوة .
فتعالى معي نسرح في أول فصول الحكاية .