الحمد لله رب العالمين وصل الله على نبي الرحمة وعلى آله الطاهرين .
ليست السعادة في الموارد المادية التي تأتي وتذهب، وأحياناً كثيرة تشكل هماً وعبئاً على الإنسان وتكدر عيشه وتقلق راحته .
إن الكثير من الناس الذين اعتقدوا أن الحياة الزوجية المغمورة بالسعادة تنتج من عوامل مادية ( بما يسمى الغنى بالمال ) اكتشفوا فيما بعد أن هذه العناصر لا قيمة لها عندما تفقد الحياة الزوجية أسس الإحترام المتبادل من الثقة والأخلاق التي هي عمدة الحياة في كل ميادينها .
وإننا إذ نلاحظ في حياتنا بعض الناس إعتبر السعادة في الغنى المادي فعاشوا أشقى الأشقياء .
وبعض الأغنياء عاشوا بهدوءٍ وسكينة وطمأنينة .
وآخرون من الفقراء عاشوا في الأكواخ حياة سعيدة ملؤها الرحمة والمودة .
وغيرهم من الفقراء عاشوا حياة تعيسة خالية من الإحترام والمحبة .
فهذه الأمثلة عينات موجودة في مجتمعاتنا ولا يمكن لنا أن ننكرها .
وعندما ندقق في الأمثلة نجد أن الغنى ليس عاملاً من عوامل السعادة المطلقة .
وأن الفقر ليس عاملاً من عوامل التعاسة المطلقة .
فهناك عناصر غير الفقر والغنى هي التي تلعب الدور المهم في السعادة والشقاء .
لذلك لا بد لنا من البحث عن تلك العوامل من أجل أن نأخذ بها لتكون هي الأسس في نظرتنا للحياة الزوجية السعيدة .
وعندما نحاول البحث عن هذه العناصر لا يمكننا أن نكون بعيدين عن مبادئ الدين التي عالجت هذه المشكلة بدقة وأمانة. وكيف لا وقد جاء الدين رحمة للناس لهديهم إلى الطريق الصحيح الذي يوصل الإنسان إلى أرفع مراتب السعادة.
ونجد في القرآن الكريم قوله الله تعالى :
{ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة } .
ففي هذه الآية نجد أن عامل الإستقرار والسعادة في الحياة الزوجية ينبع من المودة والرحمة ، من الأخلاق المتبادلة بين الطرفين ، وهذه الأخلاق تولد إحتراماً والإحترام يولد سكينة وطمأنينة وهدوءاً في الحياة الزوجية ومن ثم يتحول إلى مودة وإلى رحمة بين الطرفين .
وهذا الأمر لا يكون إلا عندما يقوم كل طرفٍ بدوره بعد أن يتعرف على واجبه تجاه الآخر .
إذاً عندما تسود الأخلاق بين الطرفين ويحصل الإحترام المتبادل ويقوم كل منهما بواجبه لا يبقى للعناصر الأخرى أي دورٍ في صناعة المحبة والمودة ، وإن كان العنصر المادي يشكل نوعاً من أنواع اليسر ، والفقر يشكل حالة من حالات البؤس ، ولكن مع توفر الأخلاق والإحترام والقيام بالواجبات يصبح العنصر المادي لوناً من ألوان الراحة والسعة .
وفي حالة الفقر المادي يلجأ الإنسان إلى الصبر والتحمل والتوجه إلى الله تعالى مع السعي لسد متطلبات الحياة { ومن يتقي الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب } . وقد جاء في كلام للإمام علي (ع): { وألجئ نفسك في الأمور كلها إلى إلهك فإنك تُلجأها إلى كهف حريزٍ ومانعٍ عزيز}.
والصبر والتحمل في الصورة الأخيرة هو من أرفع درجات التضحية في الحياة الزوجية .
ويظهر لنا بعد كل الذي ذكر أن السعادة الزوجية تنبع من الإحترام والأخلاق والإلتزام بالواجبات التي فرضها الله تعالى على الطرفين .
ثم إن الحياة الزوجية بروحية الإستقرار النابع من المودة والرحمة هي سنة إلهية في الخلق وقد شرع الله للناس هذه السنة بدرجة الإعجاز كما يذكر ذلك في القرآن في قوله : { وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً وكان ربك قديراً } .
فهذا الخلق الإلهي الذي يهدف إلى بناء وإستمرار المجتمع البشري الصالح ، لا نجد أن من عوامل الإستقرار فيه العنصر المادي في كل أنباء وتشريعات الدين ، بل نجد الحث على الزواج والنهي عن الرضوخ لعناصر الغنى المادي ، فقد قال تعالى: { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم }.
بهذا أراد الله للحياة الزوجية أن تستمر وتستقر وغير ذلك فهو زخرف باطل .
وعندما نرجع للأحاديث النبوية نجد أن النبي (ص) قد وضع قانوناً واضحاً في قبول الزوجة بالزوج على أساس الأخلاق والدين فقال :
{ إن جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه } ، وهذا النص في تمام الوضوح وليس فيه أيُ تلميحٍ إلى الجانب المادي في الحياة الزوجية. وحتى لا يطول بنا المقام ، نخلص إلى القول بأن السعادة الزوجية تنبع من الإحترام والأخلاق والإلتزام بأوامر الدين ونواهيه .