الإسلام خيارنا للإصلاح بقلم الشيخ حسين عليانيسعى الإنسان نحو اختيار الطرق والأنظمة الأفضل والأحسن لحل مشاكله وتلبية طموحاته ويبرز هذا الأمر واضحاً في حياته عندما يواجه مشاكلاً تحتاج إلى حلٍ من الخبراء القادرين على معالجة مثل هذه المسائل وفي الكثير من القضايا يجد نفسه عاجزاً عن التوصل الى ايجاد نظام يلبي مراده . ومن باب اللطف به أرسل الله تعالى الأنبياء والرسل لتعليم الإنسان وارشاده إلى ما ينفعه ونهيه عما يضره في كل قضية من قضايا الوجود وهذه التعاليم تسمى بالشرائع السماوية وتكتسب هذه الشرائع أهمية بالغة لأنها صادرة عن الله خالق الخبراء والمشرعين العليم بكل شيء والغني عن كل شيء لا تنفعه طاعة من أطاعه ولا تضره معصية من عصاه ،
مدخل لتوضيح الشرع المختار :قبل بيان نظرية (الإسلام خيارنا للإصلاح ) لا بد وأن نأخذ فكرة عامة عن معنى الإسلام بمدلوله العام وكيف استقر الأمر في نهاية المطاف على جعل كلمة الإسلام مختصة بشريعة سيد الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله (ص) الذي جاء بها من عند الله تبارك وتعالى.
ومن أجل تحقيق هذا الغرض نستعرض الآيات القرآنية التالية .
{وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنّا تقبّل منا إنك أنت السميع العليم * ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمةً مسلمةً لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم * ربنا وأبعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم * ومن يرغب عن ملّة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين * إذ قال له ربه أسلم قال أسلمتُ لرب العالمين * ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني ان الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون * أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون} .البقرة من 127-133 .
ويقول تعالى:{ أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون}
آل عمران /83
ويقول أيضاً:{ إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أُوتُوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب * فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعنِ وقل للذين أوتوا الكتاب والأُمّين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد} آل عمران / 19-20 .
ويقول عز وجل :{ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسنٌ واتبع ملة إبراهيم حنيفاً واتخذ اللهُ إبراهيمَ خليلاً} النساء / 125
ويقول :{قل أغير الله أتخذُ وليّاً فاطر السماوات والأرض وهو يُطعمُ ولا يُطعم قل إني أُمرتُ أن أكون أول من أسلم ولا تكوننّ من المشركين} الأنعام /14 .
ويقول تعالى :{وإذا يتلى عليهم قالوا آمنّا به إنه الحق من ربنا إنّا كنّا من قبله مسلمين}القصص /53
ويقول أيضاً :{قالت يا أيها الملأ إني أُلقي إلي كتابٌ كريم * إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا عليّ وأتوني مسلمين} النمل /29-31 .
قال تعالى : { قال يا أيها الملؤا أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين } . النمل / 38 .
ويقول أيضا": { فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين }. النمل/ 42.
ويقول عز وجل: { قيلَ لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرحٌ ممردٌ من قوارير قالت ربي إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين } النمل / 44.
وأيضاً : {وما أنت بهادي العمى عن ضلالتهم ان تسمع الا من يؤمن بأياتنا فهم مسلمون } النمل /81.
لا نريد الإطالة أكثر فقد اتضح لديك ان العنوان الرئيسي في دعوة الأنبياء هو الإسلام .
فكلمة الإسلام وردت في مواعظ وإرشادات الأنبياء إلى أن انتهى الأمر إلى نبينا محمد (ص) فأخذ الإسلام شكلاً مخصوصاً تعنون بالقرآن الكريم وسنة النبي محمد (ص) ويدل على إسلام الشخص بالشهادتين – اشهد ان لا اله إلا الله واشهد ان محمدا رسول الله -كعلامة أو دعوى ظاهرية على انتماء الإنسان للإسلام .
والإسلام معناه التسليم لله بقدرته ووحدانيته وصفاته وأفعاله … وبمعنى آخر هو الانقياد والطاعة لله عز وجل.
وبهذا المعنى لا يكون الإسلام القرآني مغايراً للإسلام الذي دعت إليه الأديان السماوية الأخرى بل متمم ومكمل لها وهو الخلاصة النهائية لحركة الأنبياء والمرسلين كما يقول الله تعالى .{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً } المائدة/3 .
إذاً ما أردنا إيصاله لك من خلال هاتين المقدمتين التمهيدية والمدخلية هو ان الدعوة التي حملها الأنبياء كان عنوانها العام الإسلام وقد مرت هذه الدعوة بمراحل مختلفة ومتعددة رافقت طبيعة تقدم ونمو الإنسان على هذه الأرض إلى أن بلغت حد الشمول المكاني والزماني إلى يوم القيامة ، من خلال نظام تشريعي له في كل شيء حكم ، وهو محفوظ في كتاب لا يأتيه الباطل ، ويُحتكم إليه عند أي اختلاف وهو القرآن الكريم .
الإسلام خيارنا للإصلاح :
عندما نقول ان الإسلام هو خيارنا للإصلاح يجب أن نثبت هذه الدعوى بالأدلة والبراهين من أجل ترسيخ صحتها وفق العقل والمنطق لتحصل القناعة لدى المنفذ والمعتنق لهذا الدين ، ليكون عمله منطلقاً من الإيمان والاعتقاد الصحيح .
أولاً : إن الإسلام القرآني نعتمده خيارنا للإصلاح لأنه تشريع صادر عن الله عز وجل وهذا التشريع شامل شمول الحياة والكائنات زماناً ومكاناً والمشرّع هو الخالق لها وهو أعلم وأخبر بها. وبما أن الإنسان عاجز عن تحديد المصلحة والمفسدة في كثيرٍ من الأمور فلا بد له من الاعتماد على عالمٍ خبيرٍ ليهتدي من خلاله إلى معرفة المصالح والمفاسد في حياته .
ثانياً : التجربة العملية هي من العوامل المساعدة على اكتشاف مدى فعالية أي نظام أو تشريع في قدرته على الإصلاح وتحسين الحياة وتلبية طموحات الإنسان .
وعندما نرجع إلى تجربة الإسلام المحمدي فإننا نجد أن هذا الإسلام أثبت قدرته العالية على إصلاح الإنسان ومجتمعه عندما انتقل النبي (ص) بالإنسان من مجتمع الجهل والتخلف إلى مجتمع العلم والنور الذي تجسدت فيه العدالة والمساواة ونظام الحقوق والواجبات على أساسٍ إنساني يتميز فيه الإنسان عن الإنسان الآخر وفق عمله لا على أساس اللون والعرق والانتماء القبلي والعشائري أو الغنى والفقر وما شابه ذلك من العناوين .
فقد صرح القرآن الكريم بهذا المعنى في قوله تعالى:{ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليمٌ خبير }الحجرات /13.
وقال النبي (ص) :"لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى ".
المجتمع قبل الإسلام :
من اجل أن نستفيد من عالم التجربة أكثر نأخذ بعض العينات السلوكية للمجتمع قبل الإسلام وكيف أصبحت بعد الإسلام .
المجتمع قبل الإسلام كان يعيش في مناخ الجهل تقتله العصبيات القبائلية والعشائرية ، فكانت القبيلة تغزو الأخرى وتسيطر على ثروتها لأجل أسباب تافهة ، وكانت تنشئ الحروب الطويلة بين القبائل تؤدي إلى سفك الدماء وقتل الأبرياء ، ويتبع ذلك الثارات المتبادلة بين العشائر والقبائل المتناحرة .
وكان الإنسان في ذلك المجتمع يحاسب بعضه البعض الآخر على أساس اللون والعرق والأصل والفصل وما شاكل ذلك .
كانت بعض القبائل تقتل أولادها خشية الفقر ويدفنون مولودهم الأنثى خشية العار . وكانوا يعبدون الأحجار والأخشاب والأطعمة والأشربة ، ولا يوجد نظام يحكم العلاقات بينهم . هذه بعض العينات التي كانت في ذلك المجتمع قبل الإسلام .
المجتمع في ظل الإسلام :
وسط المجتمع الجاهلي الذي كان غريقاً بالظلم والفساد والضياع ، يخرج رجلٌ معروف عند الناس بالصدق والأمانة والوفاء والإخلاص وبأخلاقه الكريمة ، ويعلن عن ولادة الدين الإسلامي كشريعة تنظيمية وتربوية تلبي طموح الإنسان روحياً وجسدياً، تنظر في قوانينها للفرد والمجتمع وتقود الإنسان نحو الأمان وتعده بالحياة الأبدية السعيدة بعد الموت إن التزم حق الالتزام بمبادئها وقيمها .
صار النبي (ص) ينادي أبناء المجتمع بلغة الخلاص :" أيها المعذبون لأنكم من قبيلة بني فلان ..
أيها المحرمون لأنكم ضعفاء ..
أيها المظلومون لأنكم لا تملكون أنصاراً ..
أيها الرجل، أيتها المرأة ، أيها الشاب ، أيتها الشابة . الأبيض منكم والأسود ، الغني والفقير ، القوي منكم والضعيف ، العربي والأعجمي كلكم سواسية في دين الله .
فوضع الإسلام نظاماً شاملاً للحياة وأبنائها وفق موازين العدالة الإلهية واستطاع من خلال هذا النظام أن يجسد القيم الإنسانية الرفيعة التي يطمح أي إنسانٍ ليعيش في ظلها كريماً عزيزاً .
هذا الإسلام القرآني نجح في تجربته عملياً ولعل كتب التاريخ تغص بالروايات والحكايات عن عظمة تلك التجربة الناجحة.
ومن هنا وبالارتكاز إلى هاتين النقطتين 1- الإسلام شرع الله
2- نجاح الإسلام في تجربة الإصلاح
يمكن القول بعد قراءةٍ لكل الأنظمة والنظريات التي جهد أصحابها في وضع حلول لمشاكل الإنسان في الحياة ، ان الإسلام هو الطريق الصحيح الذي يقودنا إلى الإصلاح إن طُبّق وفق نصوصه وقوانينه.
ويظهر من خلال ما ذكرناه ان اختيار الإسلام سبيلاً للإصلاح ليس لعصبية الانتماء أو استحسان الاختيار إنما من خلال الاعتقاد الناشئ من الأدلة والبراهين التي تثبت صلاحية هذا النظام للإصلاح.
تلخيص عام :
بعد كل ذلك يتلخص لدينا ما يلي : الإسلام المحمدي ،
1- شرعٌ إلهي لا يتبدل ولا يتغير في مبادئه وقيمه وقواعده العامة .
2- دين يعالج المشاكل ويرد على التساؤلات التي يواجهها الإنسان في حياته .
3- شامل في أحكامه وتعاليمه لكل شيء وما من شيء إلا ولله فيه حكم .
4- صالح لمواكبة الأزمنة وتبدل الأمكنة .
5- نجح الإسلام بالتجربة التطبيقية بقيادة النبي محمد (ص) في المقابل الأنظمة الأخرى لم تشق طريقها نحو النجاح الدائم والشامل وان استطاعت معالجة بعض المشاكل الإنسانية إلا أن معالجتها لم تكن شمولية وأحياناً كانت تسقط بعد انكشاف عجزها عن مواجهة الأحداث ومواكبة الأزمنة .
6- الإسلام المحمدي هو خلاصة التجربة التي خاضها الأنبياء والمرسلون عبر التاريخ .
نكتفي بهذا القدر ونسأل الله تعالى أن يفي هذا الملخص بالغرض المطلوب .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين