تقديس الزعماء وتنزيههم عن الأخطاء
بقلم الشيخ حسين عليان
جاءت الدعوة الإسلامية برسالة مفهومة الأهداف والأبعاد رسالة لا تحتاج الى كبير جهد وكثرة معاناة لفهم مقاصدها الإنسانية بعد الوضوح الذي لا يعتريه غموض في أمهات نصوصها الداعية إلى الأخلاق الحسنة والإستقامة والوحدة والعدل ونصرة الحق واعزازه وهجران الباطل وانتقاصه وبذل الجهد في سبيل صيانة إنسانية الإنسان .
هذه المعاني والمقاصد الواضحة فهمها المسلمون الأوئل وعملوا طبقها وحققوا انتصارات رائعة على أنفسهم ظهرت جلياً في مسلكياتهم اليومية وعلاقاتهم التي ذابت فيها كل أشكال التصنيف العرقية والمناطقية والقومية والجميع يردد القول ويطبقه سلوكاً ـ لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى .
ولكن هذا الواقع الذي ارتقى فيه المسلمون الى أعلى وأرفع مراتب النبل الإنساني بدأ بالتراجع بعد دخول المسلمين في صراعات داخلية أفقدتهم ما حققوه من انجازات عظيمة فتمحورت الأهداف السامية وانقسمت الأمة الواحدة الى شيع وطوائف ومذاهب وجماعات وصاروا يجتهدون في الاستباط الديني بما ينسجم مع تطلعاتهم الدنيوية حتى بلغت الأمور في أحيان كثيرة حد الصراع والقتل باسم الدين الذي نهى عن الإنقسام والحقد والبغض والعداوة والقتل .. وأبشع ما تراه في المقام أن كل واحد يدعي امتلاك الحق المطلق ويتهم الآخر بأنه الباطل المطلق وفي هذا الحراك المليء بالنزاعات غاب الميزان الفصل ولم تعد العودة الى الينابيع الصافية هي المعيار في تصويب الأمور بقدر العودة الى المُسْتَنْبِط الذي لم ينزهه الدين ولا العقل البشري عن الخطأ قصوراً أو تقصيرأ عمداً أو سهواً في جميع الأحوال النتيجة واحدة وهي أنت أمام إنسان غير معصوم يصيب ويخطىء.
ومع أننا ندرك هذه الحقيقة ذهبنا إلى تقديس الأشخاص وتنزيههم عن الأخطاء واعتبرنا قولهم وفعلهم حجة لازمة لا تقبل حتى النقاش وصارت كل جماعة تمنح زعيمها القدسية الدينية حتى غدا الزعيم من وجهة نظر أتباعه معصوماً في القول والفعل لا يقبلون بحقه أي نقاش حتى ولو أدى هذا الأمر إلى تعطيل عقولهم عن التفكير وهنا ظهرت مخاطر هذا السلوك الذي جعل الأتباع يرون المنكر من زعيمهم معروفاً والمعروف من غيره منكراً وهذه النتيجة واضحة جداً ومعلومة مسبقاً من إنسان آمن بعصمة إنسان يصيب ويخطىء وآمن بأنه الحق المطلق تاركاً وراء ظهره ما قاله الله متمسكاً بما قاله الإنسان .
أمام هذا الواقع الذي تعيشه الأمة اليوم نسأل بغصة وحرقة أين الحكماء في أمتنا ؟ لماذا أنتم ساكتون ! فإذا كان هذا الخطر لا يحرك فيكم الغيرة على الرسالة والشعوب والأوطان ولا يقلقكم فأي المخاطر بعد هي التي تنتظرون لتقولوا كلمة فصل وتتحركوا لمواجهة هذا البركان الدموي الذي يفتك بأمتنا على مساحة العالم العربي .؟!
ــــــــــــــــ
نشر في جريدة أخبار البلد اللبنانية بتاريخ 18 / 11 / 2014م