أَيْنَ تَذْهَبُ بِكُمُ الْمَذَاهِبُ، وَتَتِيهُ بِكُمُ الْغَيَاهِبُ، وَتَخْدَعُكُمُ الْكَوَاذِبُ؟ وَمِنْ أَيْنَ تُؤْتَوْنَ، وَأَنَّى تُؤْفَكُونَ؟ فَلِكُلِّ أَجَل كِتَابٌ، وَلِكُلِّ غَيْبَة إِيَابٌ، فَاسْتَمِعُوا (فاستمعوه) مِنْ رَبَّانِيِّكُمْ[1508]، وَأَحْضِرُوهُ قُلُوبَكُمْ، وَاسْتَيْقِظُوا إِنْ هَتَفَ بِكُمْ[1509]. وَلْيَصْدُقْ رَائِدٌ[1510] أَهْلَهُ، وَلْيَجْمَعْ شَمْلَهُ، وَلْيُحْضِرْ ذِهْنَهُ، فَلَقَدْ فَلَقَ لَكُمُ الاَْمْرَ فَلْقَ الْخَرَزَةِ، وَقَرَفَهُ قَرْفَ الصَّمْغَةِ[1511]. فَعِنْدَ ذلِكَ أَخَذَ الْبَاطِلُ مَآخِذَهُ، وَرَكِبَ الْجَهْلُ مَرَاكِبَهُ، وَعَظُمَتِ الطَّاغِيَةُ، وَقَلَّتِ الدَّاعِيَةُ، وَصَالَ الدَّهْرُ صِيَالَ السَّبُعِ الْعَقُورِ، وَهَدَرَ فَنِيقُ[1512] الْبَاطِلِ بَعْدَ كُظُوم[1513]، وَتَوَاخَى النَّاسُ عَلَى الْفُجُورِ، وَتَهَاجَرُوا عَلَى الدِّينِ، وَتَحَابُّوا عَلَى الْكَذِبِ، وَتَبَاغَضُوا عَلَى الصِّدْقِ.فَإِذَا كَانَ ذلِكَ كَانَ الْوَلَدُ غَيْظاً[1514]، وَالْمَطَرُ قَيْظاً[1515]، وَتَفِيضُ اللِّئَامُ فَيْضاً، وَتَغِيضُ الْكِرَامُ غَيْضاً[1516]، وَكَانَ أَهْلُ ذلِكَ الزَّمَانِ ذِئَاباً، وَسَلاَطِينُهُ سِبَاعاً، وَأَوْسَاطُهُ أُكَّالاً، وَفُقَرَاؤُهُ أَمْوَاتاً; وَغَارً الصِّدْقُ، وَفَاض الْكَذِبُ، وَاسْتُعْمِلَتِ الْمَوَدَّةُ بِاللِّسَانِ، وَتَشَاجَرَ النَّاسُ بِالْقُلُوبِ، وَصَارَ الْفُسُوقُ نَسَباً، وَالْعَفَافُ عَجَباً، وَلُبِسَ الإسْلاَمُ لُبْسَ الْفَرْوِ مَقْلُوباً.
الشرح
ــــــــــــــــــــ
[1508] الرّبّاني : - بتشديد الباء - المتألّهِ العارف بالله عز وجل.
[1509] هتف بكم : صاح بكم.
[1510] الرائد : من يتقدم القوم ليكشف لهم مواضع الكَلأ، ويتعرف سهولة الوصول إليها من صعوبته.
[1511] قرف الصّمْغة : قشرها. وخصّ هذا بالذكر لأن الصمغة إذا قُشرت لا يبقى لها أثر.
[1512] الفَنِيق : الفحل من الإبل.
[1513] كُظُوم : إمساك وسكون.
[1514] كان الولد غيظاً : يغيظ والده لشُبُوبِهِ على العقوق.
[1515] القَيْظ : شدة الحر : والمراد بكون المطر قَيْظاً عدم فائدته.
[1516] تغيض : من «غاض الماء» إذا غار في الأرض وجفّت ينابيعُهُ.