الشراكة في الحقوق والواجبات
الشيخ حسين عليان
نص القانون الزوجي في الإسلام على إعطاء الولاية العامة في الأسرة للزوج وبمجرد وقوع العقد تصبح العصمة بيده . وفي نفس الوقت كُلف بوجوب تأمين النفقات التي يحتاجها البيت الزوجي في جميع الجوانب مع الاعفاء المطلق للزوجة من هذه المهمة . أما إذا اختارت هي بنفسها ان تساهم مع زوجها وتعمل الى جانبه فيما لا يتعارض مع تكليفها الزوجي فإن الإسلام لا يمانع من ذلك .
وأما المهمة الملقاة على عاتق الزوجة فهي الرعاية لشؤون الأسرة في التربية والإرشاد وتوفير المناخ الهادئ لزوجها وأطفالها وإحاطتهم بالعطف والحنان وهذا الدور الرائد عندما تقوم به فإنها تكون قد ساهمت في صناعة المجتمع الصالح انطلاقاً من الخلية الأسرية الصالحة .
وبالمقابل يجب على الزوج ان يقدر لها جهدها وتعبها ويشعرها بالشراكة الحقيقية من خلال المواساة والمؤازرة حيث تحتاج الى ذلك . وما يفعله بعض الناس الذين ينظرون الى المرأة على انها وعاء لحمل الأطفال وخادمة تغسل الملابس وتطهي الطعام وتنفذ رغبات الرجل فهذا خطأ كبير يُفقد الحياة الزوجية معنى الشراكة في الحقوق والواجبات .
وهنا نلفت النظر إلى أن الإسلام أعطى المرأة مرتبة عالية فضلها في بعض الأحيان على الرجل كما هو الحال في موقع الأم حيث جعل الجنة تحت قدميها ، كما جاء في الحديث ( الجنة تحت أقدام الأمهات ). وفي حديث النبي (ص) لذلك الرجل الذي كان يسأله من أبر يا رسول الله ؟ فقال (ص) : أمك، أمك، ثم أمك وأباك. وإذا نظرنا إلى الجوانب الأخرى التي تتحدث عن المرأة ومالها من أجرٍ على حملها وحين وضعها وعلى حسن تبعلها وتربيتها لأطفالها .... فنجد أن المرأة قد حصلت على منزلة رفيعة في الدين الإسلامي بعد أن كانت مهملة عند الكثير من الشعوب التي كانت تنظر إليها نظرة المخلوق الناقص وهذا نجده لدى مراجعتنا لتاريخ العديد من الشعوب من الصين إلى الهند وأوروبا والجزيرة العربية. وقد وصل الأمر عند بعض القبائل العربية إلى دفن الأنثى وهي حية كما يحدثنا عن ذلك القرآن الكريم : {وإذا بُشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بُشر به أيمسكه على هُونٍ أم يدسه في التراب } .( النحل 59).
فالإسلام بدّل هذه النظرة وجعل للمرأة مكانة لا تختلف عن مكانة الرجل ، وأما بالنسبة للإشكالات التي توجه إلى الشرع الإسلامي أنه إنتقص من حق المرأة حين شرع قانون الإرث والعصمة والنفقات والحضانة وغير ذلك من الأمور التي ترتبط غالباً في الجانب المادي ، فنقول : هذا ليس إنتقاصاً من حق المرأة أبداً لأنه حمل الرجل كل أعباء النفقة تجاهها وأعفاها من أي نفقة حتى ولو كانت ثرية ، فأي الطرفين عندئذٍ هو الأكثر ربحاً ؟ وكلما نظرت إلى جانبٍ من تلك الجوانب التي قد تشم منها رائحة التمييز فإنك وعند التدقيق ستجد أن المرأة قد حصلت على حقها كاملاً من غير أي إنتقاص ، وعند السؤال لماذا كان هذا للمرأة وليس للرجل ؟ فيكون الجواب واضحاً وهو توزيع الأدوار ، إذ لا بد من القيام بمهمة الإستخلاف في الأرض التي تقع على عاتق الطرفين فلو بدلنا المهام أيضاً ستأتي نفس الإشكالات من الرجل ولكننا عندما نفهم حقيقة المسؤولية التي كُلف بها الإنسان ووزعت أدوارها بين الذكر والأنثى عندئذٍ لا يبقى من إشكالٍ في المقام هذا كله إذا كنا نتحدث عن جانب المسؤوليات القيادية والإدارية ، أما في مقام السلوك والعمل فلا فرق بين الرجل والمرأة ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) .
ويجب على الرجل أن ينظر الى المرأة على انها الانسان المساوي له في الإنسانية وعملها امام الله كعمله فقد قال تعالى :{ومن يعمل من الصالحات من ذكرٍ وانثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً } (النساء /24)
ويقول :{ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم } ( الحجرات /13)
وقال :{ اني لا أُضيع عمل عاملٍ منكم من ذكرٍ وأنثى بعضكم من بعض } ( آل عمران /195) .
وهناك أمثلة كثيرة في التاريخ تفيدنا ان المراة يمكن ان توازي الرجل في عملها وجهادها من غير فرقٍ ومن تلك الأمثلة السيدة مريم (ع) التي اختارها الله تعالى لحمل معجزته وأدت الأمانة على أكمل وجه، والسيدة آسية إبنة مزاحم زوجة فرعون التي واجهت طغيان زوجها الذي إدعى الربوبية ، والسيدة خديجة ابنة خويلد زوجة النبي محمد (ص) التي رافقته في رحلة الجهاد والتضحية في أصعب الظروف وأدقها .
والسيدة فاطمة الزهراء (ع) ابنة النبي محمد (ص) التي حازت أعلى المراتب في العمل الصالح حتى بلغت منزلة الرضا والغضب الإلهي فقال النبي (ص): فاطمة يرضى الله تعالى لرضاها ويغضب لغضبها .
والسيدة زينب الكبرى ابنة الإمام علي (ع) التي رافقت الإمام الحسين (ع) في ثورته الخالدة ضد الظلم والظالمين وتمكنت من متابعة المواجهة ضد النظام الجائر بحكمة عالية .
في ختام هذه الفقرة نلفت النظر الى ان الواجبات المنزلية من طهي الطعام وغسل الملابس وكنس البيت وغيرها ليست وظيفة تختص بالمرأة ولكنها الأقدر على إدارة مثل هذه الامور انسجاماً مع الدور الموكل إليها في القيادة الداخلية للإسرة وليس من العيب ان يشارك الرجل زوجته في انجاز حاجات البيت بل هو عين التعاون بين الشريكين .
_ حق الزوجة :
" وأما حق رعيّتك بملك النكاح: فأن تعلم أن الله جعلها لك سكناً ومستراحاً وأنساً وواقيةً. وكذلك كل واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه ويعلم أن ذلك نعمة منه عليه ووجب أن يُحسن صحبة نعمة الله . فتكرمها وترفق بها. وإن كان حقك عليها أوجب وطاعتك لها ألزم في ما أحببت وكرهت ، ما لم تكن معصيةً فإن لها عليك حق الرحمة والمؤانسة أن ترحمها، لأنها أسيرك . وتطعمها، وتسقيها، وتكسوها. فإذا جهلتْ عفوت عنها. وموضع السكون إليها قضاءُ اللذة التي لا بد من قضائها، وذلك عظيم. ولا قوة إلا بالله ". ( رسالة الحقوق ).