جانب فضيلة الشيخ قاسم داوود المحترم
أولاً أشكركم على المشاركة والنقد وأشكر الأخ عصام على مشاركته الطيبة وبعد :
إستجابة لطلبكم في توضيح معنى ما ورد في قولنا (خيانة الذات أكثر سوء من خيانة الجماعة) نذكر ما يلي :
لنتمكن من معرفة سبب زيادة السوء في الطرف الأول في هذه القضية التي بين أيدينا نضرب بعض الأمثلة للتوضيح :
الإنسان يكون خائناً لذاته عند سقوط مصداقيته في قول أو فعل صدر منه فبدل أن يصحح خطأه ويعمل بالمأثور القائل : ( الإعتراف بالخطأ فضيلة ) يتنكر لفعله أو لقوله الذي وجد فيه كلفة إجتماعية أو كان الإعنراف يتطلب منه تضحية . وبتعبير آخر يمكن القول بأن خيانة الذات إنتفاء صدق الإنسان مع نفسه ومن كان كذلك كيف يمكنه أن يكون صادقاً مع غيره ؟! فكل إناء بالذي فيه ينضح ، وقد أشار الإمام علي (ع) إلى أهمية إصلاح النفس بقوله : ميدانكم الأول أنفسكم فإن قدرتم عليها كنتم على غيرها أقدر وإن عجزتم عنها كنتم على غيرها أعجز فجربوا معها الكفاح . ونشير هنا إلى أن الحديث عن أهمية صلاح النفس موجود في الكتاب والسنة بما يفيض فراجع هناك .. وأما خيانة الجماعة كأن يسرق الإنسان مالاً عاماً أو يخون الأمانة أو ينقض عهداً أو وعداً وما شابه ذلك .
وبعد توضيح المقصود من خيانة الذات والجماعة نشير إلى أن المسألة التي بين أيدينا لا يوجد فيها مقارنة بين السيء والفاضل ولا سلخ الحكم عن أحد طرفي القضية وكلمة أكثر هنا يراد بها بيان الزيادة (الكمية في موضوعين متحدين بالسوء) بفارق زيادته في أحدهما مع جريان ذات الحكم عليهما وعليه فإن الحكم الثابت للطرف الأول هو عينه ثابت للثاني بلا غموض وكأنك تقول : خيانة الذات أمر سيء وخيانة الجماعة أمر سيء . ولا يوجد في المقام ما يدل على سلخ الحكم عن أحد طرفي القضية فالحكم ثابت فيهما على حدٍ سواء . وأما الإشارة بلفظ أكثر كانت لبيان أهمية صلاح الذات وخطورة فسادها والصيغة المستخدمة هنا من بديهيات اللغة العربية الشائعة عند العارفين بها فتقول مثلاً : الماء البارد أكثر فائدة للجسم من الحار وهذا لا يعني أبداً أن الماء الحار غير مفيد ، وتقول : بيت زيد أوسع من بيت عمر وهذا لا يعني أن بيت عمر غير واسع ، وتقول : الرز أطيب من البرغل وهذا لا يعني نفي الطيب عن البرغل وتقول : الفتنة أشد من القتل وهذا لا يعني نفي القبح عن القتل وهكذا ....
وبناءً على ما تقدم فيكون الحكم في هذا المقام منصبٌ على الأمرين بلا فرق وإن اختلف التقييم من حيث السعة والضيق ويكون ما قلناه توضيحاً للمضر من الأفعال والأقوال الصادرة عن الإنسان وإظهار القبيح والأقبح منه .. السيء والأسوء منه ولكليهما ثابت نفس الحكم كما لا يخفى إن شاء الله تعالى ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشيخ حسين عليان ـ لبنان بتاريخ : 6 / آيار / 2011م