وحدانية الخالق وطاعته (المرحلة المتوسطة)ـــ بقلم الشيخ حسين عليان
تحدثنا في الدرس السابق عن مسيرة الإنسان في البحث عن خالقه وخالق هذا الكون
الذي رأى فيه العظمة والإعجاز وقد دفعته فطرته وأوامر عقله الى النظر والتأمل بحثاً عن حقيقة الخلق وما نجده من نصوصٍ دينية داعية لذلك فهي مؤيدة ومؤكدة لتلك الفطرة والأوامر العقلية .
بعد أن عرف الإنسان من خلال الأنبياء والمرسلين أن خالقه وخالق هذا الكون ومديره والماسك بأمره هو الله تعالى الواحد الذي لا شريك له وعرف أيضاً أن الإيمان به يتبعه الإلتزام بالأوامر والنواهي الصادرة عنه ، وقبل الحديث عن طبيعة هذه الأوامر والنواهي نحتاج للتعرف على صفات الله تعالى لأنه بمعزلٍ عن معرفة ما يلزم من الطاعة أو المعصية لا يحصل التوجه من الإنسان نحو الفعل أو الإمتناع عنه .
صفات الله تعالى
الله تعالى واحدٌ أحد ليس كمثله شيء قديم لم يزل ولا يزال وهو على كل شيء قدير وهذا يعني أن الله تعالى ليس له شريك وليس له شبيه قديم الوجود بمعنى أنه لم يأتِ زمان وهو غير موجود ولا يمكن أن يزول وجوده فهو الأول والآخر .
(الله تعالى عليم حكيم) ومعنى ذلك أن الله تعالى عنده العلم كل العلم يعلم ما تخفي الأنفس وما كان وما سيكون ولا تخفى عليه خافيه.
الله تعالى عادل لا يظلم أحداً حي لا يموت غني تفتقر المخلوقات كلها إليه سميع بصير لا يوصف بما توصف به الأشياء ليس بجسم ولا صورة وليس له ثقل ولا خفة ولا مكان ولا زمان لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ..
توضيح
إن ما نراه في القرآن الكريم من آيات قد يعتقد البعض أنها تشير إلى التجسيم فهذا الفهم خطأ كقوله: " يد الله فوق أيديهم" . "وجاء ربك والملك صفاً صفا " .
هذا التعبير هو مجازي ، والحقيقة يد الله قوة الله ، ومجيء الله مجيء أمر الله ونعتقد أن القول بالتجسيم كفر .
وكما أن الله واحد في ذاته فهو واحد في صفاته ، فإننا نعتقد أن صفاته عين ذاته ، فالله عز وجل حي من حيث هو قادر وقادر من حيث هو حي .
ويتكون مما ذكر أن الله عز وجل خالق غني عن مخلوقاته ، فعندما يأمر عباده بفعل فهو غني عن طاعتهم وعندما ينهاهم عن شيء فهو آمن من معصيتهم كما يبين ذلك الإمام علي (ع) : "إن الله خلق الخلق حين خلقهم غنياً عن طاعتهم ، آمناً من معصيتهم لا تنفعه طاعة من أطاعه ولا تضره معصية من عصاه ".
وحدانية الخالق
تحدثنا عن حركة الإنسان في التوصل لمعرفة خالقه وصفاته وقلنا لا ينتهي الأمر عند هذه المسألة فهي مقدمة للزوم الطاعة وقبل الحديث عن لزوم الطاعة بقي أن نعرف كيف نستدل على وحدانية الخالق ، وهنا نذكر بعض الأدلة التي تتناسب مع مستوى هذه المرحلة .
إن أهمية البحث عن وحدانية الخالق على مستوى الطاعة كبيرة جداً لأنه بمعزلٍ عن إثبات الوحدانية لا يمكن أن تفرض العبادة خالصة لإله واحد ولهذا السبب سنتحدث عن الوحدانية الإلهية .
العقل ينفي وجود الشريك لله تعالى معتمداً في ذلك على دليلٍ واضح وهو : وجود الشريك يعني تعدد الإرادة في إدارة الكون وهذا الأمر يؤدي إلى فساد نظامه وما توصلنا إليه من معرفة في دقة هذا النظام الكوني يؤكد وجود المدير الواحد ، هذا الكلام يقع على مستوى التحليل العقلي المجرد عن أي دلائل خارجية . وأما الإستدلا العقلي المعتمد على الربط بين العلة والمعلول والأثر والمؤثر يقول العقل : لو كان لله شريك لوجب أن يُظهر ما يدل عليه من مخلوقات ولبعث الى خلقه الرسل ليخبر عن حاله وأفعاله وهذا لم يحصل كما يقول الإمام علي (ع) في وصيته لولده الحسن (ع) : " واعلم يا بني … أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسله ولرأيت آثار ملكه وسلطانه ولعرفت أفعاله وصفاته ولكنه إله واحد كما وصف نفسه لا يضاده في ملكه أحد ".
طاعة الخالق
الإنسان بحاجة إلى نظام يعمل على أساسه في هذه الحياة ويجب أن تتوفر في هذا النظام عدة أمور مفادها جلب المصلحة ودفع المفسدة ، والإنسان عاجزٌ عن إدراك المصلحة والمفسدة في الأشياء ، إذاً هو بحاجة إلى مشرع عالم وخبير .
وبعد أن عرفت أن الله تعالى هو الخالق وأنه لا شريك له وعرفت صفاته من العلم والحكمة والقدرة ... فمن أحق منه أن يكون هو المشرع طالما يعجز غيره عن تحديد المصالح والمفاسد في الأشياء ، فالله تعالى لا تخفى عليه خافيه وبناء على ذلك يفتقر المخلوق الى مساعدته في تحديد المصالح والمفاسد .
ولتوجيه الإنسان نحو ما فيه المصلحة أرسل تعالى الأنبياء حاملين الرسائل التي تتضمن دستوراً شاملاً يتضمن أحكام وقوانين تنظيم الحياة البشرية على الأرض .
وفي جميع الأحوال يمكن القول أن الله تعالى جعل لكل شيءٍ حكماً وأحكامه شاملة شمول خلقه .
تولى نشر وتبليغ هذه الأحكام الأنبياء والرسل الذين بعثهم الله تعالى لهداية الناس الى ما يصلحهم ، وبعد أن يصل البلاغ للإنسان يجب عليه الإلتزام بما وصله وإلا اعتبر عاصياً بحكم العقل والدين لأنه بعد أن فرض العقل الطاعة للخالق فالمخالفة تعتبر معصية والعاصي توعده الله تعالى بالعقاب في الحياة الأخرى بعد الموت .
إذاً قد بلّغ الله أحكامه بواسطة الأنبياء وألقى الحجة على عباده الذين استخلفهم في الأرض ، ويتلخص مما مر ذكره : أنه يجب على الإنسان أن يطيع الخالق الواحد ويلتزم بأوامره ونواهيه ، والمخالف يستحق العقاب والمطيع يستحق الثواب والطاعة للخالق واجبة على الإنسان بحكم العقل والدين ، وقد عرفت أيضاً أن الله عز وجل غني عن طاعة عباده له وآمن من معصيتهم .
الإخلاص لله تعالى في العبادة
بعد أن عرفت أن الخالق هو إلهٌ واحدٌ لا شريك له وأنه وحده القادر على كل شيء لا يصح والحال هذا أن تجعل له شريكاً في العبادة قال النبي (ص) :" إني أخاف عليكم من الشرك الأصغر" قيل يا رسول الله وما الشرك الأصغر ؟ قال : الرياء .
وقد ذكر العلماء في كتبهم أن نية الإمتثال في العبادة يعتبر فيها الإخلاص لله تعالى فإذا ضممنا إليها الرياء بطل العمل واجباً كان أم مستحباً ، وقد ركزت الشريعة المباركة على مسألة الإخلاص بالنية لأن العمل المنبثق عنها تابع لها فإذا كانت النية صادقة خالصة كانت النتيجة صحة العمل وإن لم تكن كذلك كانت النتيجة بطلانه وقد ورد في الأخبار : العطية على قدر النية ، ولكل امرئ من عمله ما نوى .
لذلك يجب على الإنسان أن يدرب نفسه على الإخلاص في كل عمل يقوم به عبادياً كان أم غير عبادي لأن الإخلاص المطلوب في العبادة مطلوب أيضاً في علاقة الإنسان مع أخيه الإنسان فالشريعة طلبت من الإنسان أن يستقيم في حياته وإذا فقد الإخلاص تتعرض العلاقة الإنسانية للخراب وعليه لا يمكن لمن يخرب العلاقة الإنسانية أن يقيم علاقة صحيحة وسليمة مع الله .
من هنا يجب أن نلتفت إلى النية التي يصدر عنها العمل سواء في العلاقة مع الله أو مع الإنسان الذي أعزه وكرمه الله ويجب أن نلتفت إلى أهمية حُسن النية في العلاقة مع الله وفي العلاقة مع الإنسان أيضاً فإن فقدان الإخلاص في الأول يعني الإشراك في العبادة في عمل يجب أن يكون خالصاً لله تعالى وحده ، وفقدان الإخلاص في الثاني يؤدي إلى فساد العلاقات الإنسانية .
حول الدرس :
" لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون ". (الأنبياء).
" وما أرسلنا من قبلك من رسول الا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ". (الأنبياء).
" يا بني لا تشرك بالله أن الشرك لظلم عظيم ". (لقمان).
" إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك ". (النساء ).
يقول الإمام علي (ع) : "إن الله خلق الخلق حين خلقهم غنياً عن طاعتهم ، آمناً من معصيتهم لا تنفعه طاعة من أطاعه ولا تضره معصية من عصاه ".
يقول الإمام علي (ع) في وصيته لولده الحسن (ع) : " واعلم يا بني … أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسله ولرأيت آثار ملكه وسلطانه ولعرفت أفعاله وصفاته ولكنه إله واحد كما وصف نفسه لا يضاده في ملكه أحد ".
ورد في الأخبار : العطية على قدر النية ، ولكل امرئ من عمله ما نوى .
قال النبي (ص) :" إني أخاف عليكم من الشرك الأصغر" قيل يا رسول الله وما الشرك الأصغر ؟ قال : الرياء .
ـــــــــــــــــــــــــ